أردوغان في الطليعة... لماذا أخفقت استطلاعات الرأي؟
2023-05-15 22:25:12
عربية:Draw
بحسب لجنة الانتخابات التركيّة، حصل أردوغان على 49.51 في المئة من الأصوات بينما حصد كليتشدار أوغلو على 44.88 في المئة من نسبة التصويت. تعني هذه الأرقام أنّ استطلاعات الرأي أخطأت بشكل كبير بعدما توقّعت أن يسبق مرشّح المعارضة الرئيسَ التركيّ بنسب وصلت في بعض الأحيان إلى أكثر من 5.5 في المئة من الأصوات (استطلاع شركة "كوندا" للأبحاث والاستشارات). حتى الأرقام الأكثر حذراً كانت تضع أردوغان في المرتبة الثانية، وإن بفارق أقلّ. على سبيل المثال، أشار معدّل 11 استطلاع رأي إلى تقدّم كليتشدار أوغلو بأكثر من نصف نقطة مئويّة. وعزّز انسحاب رئيس حزب "البلد" محرّم إنجه هذه التوقّعات. فلماذا أخفقت استطلاعات الرأي في قياس توجّهات الناخبين الأتراك؟
أوّل "مشتبه به"
التلاعب. هو من أكثر العوامل التي خضعت للتحليل والتكهّنات خلال الأشهر القليلة الماضية. ساد تخوّف من لجوء "حزب العدالة والتنمية" إلى التزوير من أجل كسب المعركة الانتخابيّة. أساس المخاوف أنّ هذه هي المرّة الأولى التي يكون فيها مستقبل أردوغان السياسيّ على المحكّ. بعد تعزيز الحزب الحاكم قبضته على القضاء والمؤسّسات والإعلام عقب الانقلاب الفاشل والاستفتاء الدستوريّ (2016-2017)، توقّع البعض استخدام أردوغان لمفاتيح السلطة كافّة من أجل ضمان فوزه. لكنّ فرضيّة التزوير أو التلاعب لا تلقى قبولاً حاسماً بين مراقبي الشأن التركيّ، أقلّه لجهة قدرتها على منع مرشّح المعارضة من الفوز.
كبير مديري الأبحاث في منظّمة "فريدوم هاوس" غير الحكوميّة نَيت شَنكان ومسؤول برنامج أوروبا وأوراسيا في المنظّمة نفسها أيكوت غريب أوغلو كتبا في "فورين بوليسي" مطلع الشهر الحاليّ أنّ الانتخابات التركيّة "لن تكون نزيهة أو عادلة". سرد الباحثان أمثلة تاريخيّة وحاليّة عن عمليّات تلاعب أو انتهاك لعدالة العمليّة الانتخابيّة مثل تعديل طريقة تعيين القضاة في اللجنة الانتخابيّة العليا حيث اختير القضاة عبر القرعة لا الأقدميّة ممّا زاد من فرص تعيين القضاة الموالين للحزب الحاكم. كما اختارت اللجنة رئيساً على صلة قربى بحليف أردوغان. مع ذلك، لم يستبعد الباحثان فرصة نجاح كليتشدار أوغلو.
وأشارت المديرة المؤسّسة لبرنامج تركيا في "معهد الشرق الأوسط" غونول تول وأستاذ التاريخ في جامعة ستانفورد علي يايتشي أوغلو إلى أنّ استجابة البيروقراطيّة لطلبات الحزب الحاكم في الشؤون الانتخابيّة ليست محسومة إلى الحدّ الذي يفترضه البعض. هذا ما حصل مثلاً حين تجاهلت المحكمة الدستوريّة اعتراضات أردوغان عندما تراجعت عن منع "حزب الشعوب الديموقراطيّ" من تلقّي تمويل حكوميّ مخصّص لحملته الانتخابيّة. وتوقّعا أيضاً إمكانيّة فوز المعارضة بالرغم من العوائق.
يصعب اختصار تقدّم أردوغان الكبير عن أرقام استطلاعات الرأي باللجوء فقط إلى فرضيّة التزوير أو التلاعب أو تحيّز الفضاء العامّ التركيّ لصالح الحزب الحاكم. فخسارة الحزب الحاكم الانتخابات البلديّة في أكبر ثماني مدن تركيّة سنة 2019، إلى جانب أمثلة أخرى، تقلّل من تأثير هذا العامل.
فرضيّة "صانع الملوك"
أمام المرشّحَين الرئيسيّين أسبوعان صعبان لكسب ودّ المرشّح القوميّ الذي وصفه كثر بأنّه سيكون "صانع الملوك": سينان أوغان. أعرب الأخير عن انفتاحه على كلا المتنافسين بهدف التوصّل إلى اتّفاق بشأن تجيير الأصوات. ويبدو أنّ الاتّفاق سيستند إلى شرط أساسيّ وهو تهميش "حزب الشعوب الديموقراطيّ"، بحسب كلام أوغان الذي حصل على نحو 5.17 في المئة من الأصوات. هو نبأ غير سارّ بطبيعة الحال بالنسبة إلى كليتشدار أوغلو بما أنّه متحالف مع الحزب اليساريّ ذي الأغلبيّة الكرديّة.
قال أونان إنّ كليتشدار أوغلو لم يفهم حجم التيّار اليمينيّ في تركيا واصفاً التحالف المعارض بأنّه يساريّ التوجّه. بالفعل، حقّق التحالف الحاكم بين "حزب العدالة والتنمية" وحليفه من أقصى اليمين "حزب الحركة القوميّة" غالبيّة برلمانيّة (نحو 320 من أصل 600 مقعد)، حيث كان أداء كليتشدار أوغلو التشريعيّ "أسوأ حتى" من أدائه الرئاسيّ بحسب مجلّة "إيكونوميست". ونقلت عن أستاذ العلاقات الدوليّة في جامعة بيكوز أحمد هان قوله إنّ سبب نجاح أردوغان في الجولة الأولى هو تمكّنه من إقناع ما يكفي من الناخبين بأنّ الانتخابات ارتبطت بالهويّة والفخر القوميّ والأمن أكثر من ارتباطها بالاقتصاد. لكنّ هذا الجواب لا يصوّر بالكامل سبب فشل الاستطلاعات في رصد انتقال الناخبين نحو اليمين، علماً أنّ "الحزب الجيّد" المتحالف مع كليتشدار أوغلو يمينيّ قوميّ.
السبب الأقوى؟
ينبع السبب المحتمل الثالث من نقطة ضعف متأصّلة في استطلاعات الرأي في بعض المراحل. الباحث في الشؤون التركيّة في "معهد واشنطن لشؤون الشرق الأدنى" سونر تشابتاي غرّد أنّ أداء كليتشدار أوغلو كان أقلّ من المتوقّع لأنّ المحافظين "الخجولين" لن يصوّتوا لمرشّح علويّ لكنّهم، في الوقت نفسه، لن يقولوا ذلك لمستطلعي الرأي. ليس هذا التحليل منطقيّاً من الناحية النظريّة وحسب. قد يمتنع قسم مؤثّر من المستطلَعين عن إبداء رأيه بصراحة خوفاً من تلقّيه إدانة محتملة من المستطلِع. يمكن إيجاد مثل مشابه في الولايات المتحدة.
إنّ جزءاً أساسيّاً من الأسباب التي فسّرت عجز استطلاعات الرأي الأميركيّة عن توقّع فوز دونالد ترامب سنة 2016 تَمثّل في أنّ قسماً من المحافظين امتنع عن كشف نواياه الانتخابيّة أمام المستطلِعين. كان ذلك صعباً بالنظر إلى ما يمثّله إعلان الناخب عن دعم شخصيّة مثيرة للجدل وتحيط بها الفضائح، من إحراج شخصيّ. ربّما كانت شركة "ترافالغار" لاستطلاع الرأي أوّل مستطلِع يبتكر مفهوم "الناخب (الترامبيّ) الخجول" في الانتخابات الأميركيّة. بسبب طريقتها الخاصّة في قياس عنصر الناخب "الخجول"، قالت الشركة إنّها كانت الأدقّ في توقّع النتائج الانتخابيّة على مستوى الولايات المتأرجحة سنة 2016.
قد تكشف الأيّام المقبلة أسباباً أخرى لنجاح أردوغان النسبيّ في انتخابات 14 أيّار 2023 وتخطي أرقامه غالبية توقعات استطلاعات الرأي. المؤكّد لغاية اللحظة أنّ طريق كليتشدار أوغلو إلى الرئاسة التركيّة أصعب ممّا توقّعه كثر.
المصدر: صحيفة النهار العربي