أربيل تلجأ إلى باريس مع استعصاء التوصل إلى تسوية مع بغداد
2023-02-18 10:15:18
عربية:Draw
تقول أوساط سياسية عراقية إن زيارة رئيس حكومة إقليم كردستان مسرور بارزاني إلى باريس تهدف إلى طلب وساطة فرنسية بعد استعصاء الرهان على حلول داخلية لإنهاء الملفات العالقة بين أربيل وبغداد.
وتضيف الأوساط أن حكومة إقليم كردستان التي يقودها الحزب الديمقراطي الكردستاني تحاول تجنب خيارات قد تكون مؤلمة، ولها انعكاسات سلبية من قبيل اللجوء إلى الانسحاب من العملية السياسية في العراق، حيث أن هذا الخيار لن تقف تداعياته على الحكومة الاتحادية بل ستكون له كلفته على الإقليم أيضا.
وتشير الأوساط نفسها إلى أن حكومة الإقليم تراهن على العلاقات الجيدة التي تربط بين باريس وبغداد، والأهم من ذلك أن هناك مصلحة فرنسية من تسوية الخلافات بين أربيل والحكومة الاتحادية لتعزيز استثماراتها في الطاقة في كردستان.
وأدت الخلافات بين بغداد وأربيل حول إدارة موارد الطاقة في مناطق كردستان إلى عزوف المستثمرين الأجانب، ودفعت عددا من الشركات الغربية إلى تعليق نشاطاتها في المنطقة.
وخلال زيارته إلى باريس والتي بدأت الخميس واستمرت إلى الجمعة، التقى بارزاني بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، حيث شدد الجانبان على أهمية حل المشاكل بين كردستان والحكومة الاتحادية بصورة جذرية وعلى أساس الدستور وحماية أمن المنطقة واستقرارها.
كما التقى رئيس حكومة الإقليم برئيس مجلس الشيوخ الفرنسي جيرار لارش، وعقد اجتماعا مع عدد من أصحاب الأعمال والمستثمرين والتجّار وممثلي مجموعة من الشركات الفرنسية.
وحث بارزاني خلال الاجتماع الذي عقد الجمعة في مقر تجمع رجال الأعمال الفرنسيين “ميديف”، الشركات الفرنسية على زيادة استثماراتها في الإقليم، معربا عن استعداد حكومته لتقديم كل أشكال التنسيق والتعاون في هذا الصدد.
ويرى مراقبون أن الحديث عن إمكانية اضطلاع فرنسا بدور الوسيط بين بغداد وأربيل مطروح منذ فترة، لكن السؤال يبقى حول مدى قدرتها على تحقيق أي اختراق ما لم يترافق ذلك بإرادة من كلا الجانبين الكردي والعراقي، وهي غير متوفرة حتى الآن.
ويشير المراقبون إلى أن الإشكال الرئيسي يكمن في أن الإطار التنسيقي، الذي يمثل المظلة السياسية للقوى الموالية لإيران وهو الطرف الأقوى حاليا في معادلة الحكم في العراق، لا يبدو مستعدا أو لديه رغبة حقيقية في التسوية، وهو ما يظهر في انقلابه على الاتفاقات التي عقدها مع الحزب الديمقراطي الكردستاني والتي أفضت إلى إنهاء الأزمة السياسية في العراق التي استمرت لنحو عام، وأفرزت تشكيل حكومة بقيادة محمد شياع السوداني.
وذكر ثلاثة مسؤولين أكراد أن الاتفاقات شملت إنهاء النزاع القائم منذ فترة طويلة بشأن نقل الميزانية إلى أربيل وتقاسم عائدات النفط بين الحكومة المركزية وكردستان.
وبموجب الدستور العراقي، يحق لحكومة الإقليم أن يكون لها قسم من ميزانية البلاد لكن ذلك الترتيب انهار في 2014 عندما بدأ الأكراد بيع النفط الخام من كردستان بشكل مستقل.
وفي 2017، استعادت القوات العراقية السيطرة على مناطق متنازع عليها بينها منطقة كركوك النفطية، واستأنفت بغداد دفع بعض مخصصات الميزانية لكن الأمر كان يحدث بشكل متقطع.
ويلفت المراقبون إلى أن رئيس الوزراء العراقي الذي سبق وأن تعهد بحل الخلافات مع الإقليم، لا يملك في واقع الأمر سلطة القرار في حسمها، حيث أن القرار يعود بالأساس للإطار التنسيقي ومن خلفه إيران التي لا تخفي العداء للإقليم وسبق وأن شنت عليه هجمات صاروخية بداعي إيوائه لمعارضين مسلحين.
يقول المراقبون إن الحزب الديمقراطي الكردستاني لا يزال يبقي على فرص تحقيق اختراق سياسي مع بغداد، لكن صبره بدأ ينفد حيث أن القضايا الخلافية باتت تؤثر بشكل كبير على الوضع الاقتصادي داخل الإقليم، وقد يجد الحزب نفسه عاجزا عن دفع رواتب الموظفين الحكوميين بشكل كامل بعد القرارات التي اتخذتها مؤخرا المحكمة الاتحادية.
وبحسب نائبين عراقيين ومسؤول حكومي كردي فإن الحزب الديمقراطي قد يسحب دعمه للحكومة الاتحادية إذا أخفق السوداني في الوفاء بتعهداته بحل النزاعات القائمة.
وتولى السوداني السلطة بعد أكثر من عام من الجمود السياسي، إذ منعت خلافات داخلية بين جماعات شيعية وكردية تشكيل الحكومة، مما عرقل جهود إعادة إعمار البلاد التي تعاني بسبب صراع مستمر منذ عقود.
وتسببت حالة الشلل تلك في ترك البلاد دون ميزانية لعام 2022 مما حجب الإنفاق على مشروعات بنية تحتية وإصلاح اقتصادي يحتاجها العراق بشدة، كما حُرمت السلطات الكردية من الإيرادات المطلوبة للدفع لشركات النفط الدولية ولرواتب الآلاف من العاملين في كردستان.
وقال مسؤول في الحزب الديمقراطي بعد تشكيل الحكومة العام الماضي إن الأكراد أرادوا إنهاء حالة الجمود ولذلك دعموا حكومة السوداني لكن إن أخفق الجانب الآخر في تقديم المطلوب منه فسيسحبون هذا الدعم.
وقال شوان طه المتحدث باسم الحزب الديمقراطي “هناك بعض القوى السياسية التي تحاول كسر إرادتنا ونحن نرفض ذلك ولن نسمح به”.
وفي يناير قضت المحكمة الاتحادية العليا في العراق بأن أوامر حكومة بغداد بتحويل أموال إلى حكومة إقليم كردستان لدفع رواتب عامي 2021 و2022 غير قانونية لأنها تنتهك قانون الموازنة العراقي.
قال مسعود بارزاني زعيم الحزب الديمقراطي الحاكم في الإقليم إن “من المثير للاستغراب أنه كلما سادت أجواء إيجابية بين الإقليم وبغداد وسَنحت الفرصة لمعالجة المشكلات، فإن المحكمة الاتحادية تقوم فورا بزعزعة هذه الفرصة وتجهضها بإصدار قرار عدائي وباتت سببا في تعقيد الخلافات، ويبدو أنها تنفذ أجندة مشبوهة وتحل محل محكمة الثورة في النظام السابق”.
وقال جوتيار عادل المتحدث باسم حكومة كردستان إن المحكمة “ذات الدوافع السياسية” تحاول إفساد الاتفاق بين أربيل وبغداد.
وزار وفد من حكومة إقليم كردستان بغداد يوم الاثنين لمناقشة الميزانية وكذلك قوانين الهيدروكربون. وقال مصدر مطلع على الاجتماعات إنه لا يزال هناك تباعد كبير بين أربيل وبغداد بشأن قانون الهيدروكربون.
وقال مستشار تحدث شريطة عدم كشف هويته إن السوداني كلف الفريق القانوني في مجلس الوزراء بإيجاد حل للسماح بتحويلات الرواتب دون انتهاك حكم المحكمة.
ويعتبر سياسيون آخرون في معسكر السوداني التصعيد مع الأكراد عبر استخدام مثل هذه الأحكام القضائية تكتيكا سياسيا ضروريا لمنحه موقفا تفاوضيا أقوى، بحسب أعضاء في مجلس النواب.
لكن المتحدث باسم حكومة كردستان لا يزال يأمل في إمكانية التوصل إلى حل وسط. وأشار إلى أن وفد حكومة الإقليم سيزور بغداد مرة أخرى يوم الأحد. المقبل
وقال إن هناك عقبات في طريق التوصل إلى اتفاق مع بغداد، لكن هناك نية جادة وحقيقية للتوصل إلى اتفاق من جانب حكومة إقليم كردستان وإنها تشعر بجدية السوداني أيضا في مساعي حل تلك العقبات.
وبدا واضحا أن المتحدث باسم الحكومة الكردية يسعى للإبقاء على قدر من الإيجابية لمواصلة جولات التفاوض مع بغداد، وإن كان متابعون يشككون في امكانية حدوث اختراق ما لم يترافق بدفع خارجي.
المصدر: صحيفة العرب