3 مليارات دولار سنويا لاستيراد الأدوية.. ما أسباب تراجع صناعة الدواء بالعراق؟
2023-02-12 21:26:07
عربية:Draw
صلاح حسن بابان
تخيّم أزمات كثيرة ومُتعدّدة على واقع الصناعة الدوائية في العراق، حيث لم تشفع خُطط السنوات الماضية لتطويرها، حتى صار البلد أسيرا لاستيراد 90% من احتياجاته، وفق تصريحات حكومية.
وكشف رئيس الوزراء محمد شياع السوداني عن إنفاق بلاده 3 مليارات دولار لاستيراد الأدوية سنويا، كما تعهد بالنهوض بقطاع صناعة الأدوية من خلال إجراءات عديدة ستعمل عليها حكومته بما يضمن تطوير هذه الصناعة وتوطينها.
المصانع المحلية
وفي خضم الحديث عن الاستيراد النهم للأدوية في العراق، تبدو الصناعة الدوائية المحلية متواضعة، إذ أنه رغم وجود عدّة شركات مختصة بصناعة الأدوية، إلا أنها لا تلبي الحاجة المحلية.
ويكشف نقيب الصيادلة مصطفى الهيتي عن وجود 24 مصنعا حكوميا وخاصا ومختلطا، مع 24 مصنعا آخر قيد الإنشاء، كلها موزعة في العديد من المحافظات، وتأتي بغداد في المقدمة، تليها مصانع سامراء ونينوى والبصرة، بالإضافة إلى إقليم كردستان، في الوقت الذي تخلو فيه محافظات الأنبار وديالى وكركوك والديوانية والعمارة والناصرية من أية مصانع.
وتنتج هذه المصانع نحو 1100 نوع من الدواء، لكن الهيتي يصف أكثرها بـ "النمطية" في ظل عدم وجود صناعة للأدوية المهمة والضرورية الخاصة بأمراض السرطان والهرمونات ومعوضات الدم والأنسولين والأمبولات والتحاميل وغيرها، التي تعد من أكثر الأدوية التي يتم استيرادها من الخارج، بحسبه.
وفي حديثه للجزيرة نت، يُقدّر الهيتي تكلفة شراء الأدوية المصنعة محليا بنحو 200 مليون دولار، بما يشكل نسبة 11% من قيمة ما تنفقه البلاد سنويا على شراء الأدوية، والتي تقدر بـ 3 إلى 4 مليارات دولار. ومن الجدير ذكره أن شركة "كيمياديا" التابعة لوزارة الصحة الاتحادية تعد الجهة المسؤولة عن توفي أسباب التراجع.
يلخص مختصون أسباب تراجع صناعة الأدوية بالعراق في العجز والتقصير الحكومي وسيطرة "مافيات وشبكات" على توريد وتوزيع وتهريب الأدوية والتحكم بأسعارها، سيما بعد كشف السلطات عن ضبط 100 طنّ من الأدوية المهربة العام الماضي.
وكان جواد الموسوي عضو لجنة الصحة النيابية السابق (2018-2021) قد أشار إلى أن استيراد الأدوية أو صناعتها تتمّ من خلال بعض الشركات أو المعامل الخاصة التابعة لجهات سياسية وأحزاب معينة، الأمر الذي أدى لانعدام الرقابة والسيطرة النوعية على الأدوية المستوردة والمصنعة، فضلا عن محاربة هذه الشركات للمنتج المحلي من مصانع سامراء للأدوية، بحسب تعبيره.
ولا يخفي رئيس لجنة الصحة بمجلس النواب ماجد شنكالي وجود ما أسماها "مافيات التهريب والتجار" التي تعمل على استيراد الأدوية لتحقيق أرباح أكثر على حساب المصانع المحلية، فضلا عن العجز الحكومي الذي أدى لتراجع الصناعة الدوائية بعد عام 2003، الأمر الذي دفع لاستيراد 85% من الاحتياجات الدوائية.
وعن حيثيات حديث السوداني عن عدم خضوع أغلب الأدوية المستوردة للفحص، يقترح الهيتي عددا من الإجراءات لمعالجة هذه الظاهرة، من بينها ضرورة التعاون بين مختبرات الإقليم وبغداد والبصرة والنجف، فضلا عن ضرورة ضبط المنافذ الحدودية، الأمر الذي سيسهم في التخلص من الأدوية تطوير الصناعة
أما عن كيفية النهوض بواقع الصناعة الدوائية وتطويرها، فيقترح رئيس لجنة الصحة النيابية حزمة حلول، منها ضرورة وجود إعفاءات على الرسوم الجمركية للمواد الخام الأولية التي تستوردها مصانع الأدوية، مع دعم وتحفيز وزارة الصناعة لشراء الأدوية من المصانع المحلية وعدم استيراد أية أدوية من الخارج يُمكن صناعتها محليا.
ويشدّد شنكالي على ضرورة إلزام وزارة الصحة والمؤسسات الخاصة والعامة بشراء الأدوية من الداخل، مؤكدًا أن هذه الخطوة ستعزز من مكانة المنتج المحلي وتوفر 50% من حاجة العراق الدوائية.
وفي حديثه للجزيرة نت، يبدو شنكالي متفائلا بخطوة وزير الصناعة في ما يتعلق بإبرام عقود مع مصانع الأدوية المحلية بقيمة 70 مليار دينار (48 مليون دولار) واصفا إياها بـ "البادرة الجيدة جدا".
من جانبه، يرى الخبير الاقتصادي ضياء المحسن ضرورة وجود علاقات مُتبادلة بين الشركات المحلية والعالمية لأجل نقل الخبرات الدوائية للبلاد، من خلال تدريب الصيادلة والكيميائيين على هذه الصناعات بما يسهم في سدّ حاجة السوق المحلية من الأدوية والمُساهمة في تصدير الفائض منها إلى الخارج، بحسبه.
ويُشدد المحسن -في حديثه للجزيرة نت- على أهمية إنشاء مصانع للشركات العالمية المتُخصصة في صناعة الأدوية محليا، شريطة أن تمنحَ حق الامتياز للعراقيين في تصنيع وإنتاج الأدوية. غير الخاضعة للفحص بنسبة 80%، بحسب تعبيره.ر الأدوية والمستلزمات الطبية للمستشفيات.
تفاؤل حكومي
في السياق، جاء الوصف الأدق لمعاناة واقع السياسة الدوائية في البلاد على لسان رئيس مجلس الوزراء خلال ترؤسه اجتماعًا ضمّ رابطة منتجي الأدوية بحضور وزيري الصحة والصناعة، حيث أكد حاجة القطاع الدوائي لمزيد من إعادة التنظيم في مجال استيراد الأدوية لتحقيق أمن دوائي متكامل.
ومع كل هذه الضبابية السائدة، ظهر رئيس الحكومة متفائلاً بقدرة القطاع الخاص على إنتاج أكثر من 250 نوعًا إضافيًا من الدواء من خلال التعاون مع الشركات العالمية خلال مدة تتراوح بين 6 و12 شهرا.
وعلق السوداني بشيءٍ من الحسرة والعتب قائلاً "ينفق سوق الأدوية في العراق نحو 3 مليارات دولار سنويًا لاستيراد الأدوية، وأغلبها لا تخضع للفحص، فيما لا ينتج العراق سوى 10% منها".
وعقب اجتماع السوداني، كشف وزير الصحة صالح الحسناوي لوكالة الأنباء العراقية (واع) أنه قد تم الاتفاق على جملة من النقاط التي تتعلق بتطوير المصانع وتسهيل الإجراءات بإنشاء مصانع الأدوية ودعم منتجها من حيث استيراد المواد الأولية والإعفاءات الجمركية والضرائب والتعاقدات مع وزارة الصحة.
وتعزيزا لحديث الوزير، تكشف المسؤولة في إعلام وزارة الصحة رُبى فلاح حسن عن استحداث لجنة لدراسة وتحليل خاصة بأدوية المصانع الوطنية، لافتة إلى قرب بدء أعمالها بعد إكمال الإجراءات الإدارية.
وفي حديثها للجزيرة نت، ترفع هذه المسؤولة من سقف دعم وزارتها للصناعة الدوائية، مؤكدة ضرورة تطوير القطاعين الخاصّ والحكومي المتمثل بمصنعي سامراء ونينوى وبقية المصانع الأخرى، مع العمل على سد الحاجة من الأدوية واستحداث لجنة لإطلاق الصرف المالي لشراء الأدوية من المصانع الوطنية.
واقع كردستان
وفي إقليم كردستان، لا يختلف الواقع كثيرًا عمّا هو عليه بالمحافظات الأخرى، إذ لم تنجح جهود وتحذيرات عضو برلمان الإقليم كاروان كه زنه يي -على مدى 4 أعوام مُتتالية- في الحد من مخاطر بيع واستعمال أدوية وصفها بـ "الفاسدة ومنتهية الصلاحية" داخل بعض المستشفيات والمراكز الصحية، مع الإشارة إلى أن بعضها يباع على الطرقات العامة وداخل الصيدليات، بحسبه.
ويؤشّر النائب الكردي على واحدة من أخطر الظواهر في تجارة الأدوية قائلا "إن جزءا كبيرا منها يستخدم داخل المستشفيات ويباع في الصيدليات دون أن يُعرف مصدرها أو كيفية استيرادها، وبعضها يستخدم في تخدير المرضى قبل إجراء العمليات وعلاج السرطان، مما يُعرض حياتهم للخطر".
ورغم محاولات مراسل الجزيرة نت التواصل مع المتحدث باسم وزارة الصحة في حكومة إقليم كردستان لبيان رأي وزارته، إلا أن عدم الرد على الاتصالات حال دون ذلك.
في غضون ذلك، كان استيراد الأدوية في كردستان معفى من الضرائب، إلا أنها أصبحت 5% على الأدوية و10% على المستلزمات الطبية و15% على الأجهزة الطبية، وهو ما يصفه العضو البرلماني بـ "الواقع المرير" الذي أدى لارتفاع أسعار بعض الأدوية إلى نحو 10 أضعاف.
وعن أسباب ذلك، يعلق النائب -في حديثه للجزيرة نت- بالقول "منحت وزارة الصحة في الإقليم تراخيص الأدوية لإحدى الشركات بأسعار خيالية" متسائلا عن أسباب رفع الضرائب عن بعض مواد البناء والأطعمة في الوقت الذي تفرض فيه على الأدوية، بحسب تعبيره.
المصدر: الجزيرة