العراق: انتخاب الرئيس...كسر إرادات أم بداية أزمات؟
2022-10-14 07:55:48
عربيةDraw :
اضطر الحزبان الكرديان الرئيسيان («الديمقراطي الكردستاني» و«الاتحاد الوطني الكردستاني») إلى تكرار سيناريو 2018 لغرض انتخاب رئيس الجمهورية، لكن بشكل معكوس هذه المرة، طبقاً للتحالفات. ففي عام 2018، لم يتفق الحزبان الكرديان على مرشح واحد متفق عليه لمنصب رئيس الجمهورية. ومع أن الدستور العراقي يتيح الفرصة لكل مواطن أتم الأربعين من العمر ويحمل شهادة جامعية أولية وغير محكوم بجناية، التنافس على هذا المنصب الذي يمثل هيبة الدولة ورمزها، وإن كان قليل الصلاحيات، لكن من حيث العرف فإن هذا المنصب بات منذ عام 2003، وحتى اليوم، من حصة الكرد. فالمناصب الرئاسية الثلاثة (الجمهورية والوزراء والبرلمان) تُوزَّع طبقاً للمكونات الرئيسية العرقية والمذهبية الثلاثة (الكرد والشيعة والسنة). ففي الوقت الذي يحصل فيه الكرد على منصب رئيس الجمهورية، فإن الشيعة يحصلون على منصب رئيس الوزراء، بينما تكون حصة العرب السنَّة هي منصب رئيس البرلمان. وفي الوقت الذي لم تحصل فيه مشكلة كبيرة على أساس كيفية تقاسم منصب رئاسة البرلمان داخل الكتل البرلمانية والسياسية السنية، فإنه، في مقابل ذلك، لم تحصل مشكلة مماثلة لدى الشيعة إلا في هذه الدورة، حين حاول زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر تشكيل حكومة أغلبية وطنية عن طريق تحالفه مع الكرد ممثلين بـ«الحزب الديمقراطي»، بزعامة مسعود بارزاني، و«السيادة»، بزعامة رئيس البرلمان محمد الحلبوسي. الصدر الذي لم يتمكن من تشكيل حكومته التي وضع لها شعاراً براقاً، وهو «لا شرقية ولا غربية»، اضطر إلى الانسحاب من البرلمان، مع أنه الفائز الأول (73 نائباً).غير أن مشكلة منصب رئيس الجمهورية باتت، منذ عام 2014، مشكلة كردية - كردية. فبينما تنافس عام 2014 الرئيس الحالي برهم صالح، مع الرئيس السابق فؤاد معصوم، على المنصب، فإن التنافس تم حسمه من خلال «كتلة التحالف الكردستاني»، أيام كان الحزبان الكرديان يشكلان تحالفاً كردياً واحداً، إلا أنه في عام 2018 تم كسر هذه القاعدة، حين رشح «الاتحاد الوطني»، برهم صالح، لمنصب رئيس الجمهورية، بينما رشح «الحزب الديمقراطي الكردستاني»، فؤاد حسين، وزير الخارجية الحالي. وخلال المنافسة داخل قبة البرلمان فاز الدكتور برهم صالح على منافسه الدكتور فؤاد حسين. غير أن اللافت في العملية أن سيناريو 2018 تكرر، أمس (الخميس)، لكن بطريقة بدت مختلفة على صعيد بناء التحالفات السياسية.
ففي عام 2018 كان التحالف الشيعي قدم تعهداً إلى زعيم «الحزب الديمقراطي الكردستاني»، مسعود بارزاني، بأنه سوف يدعم مرشحه داخل قبة البرلمان. غير أن نواب الكتل البرلمانية، ومثلما تم تبرير ذلك للزعيم الكردي بعد خسارة مرشحه، لم يلتزموا بتعليمات قادة كتلهم، وصوتوا طبقاً لإرادتهم، الأمر الذي غلَّب كفة صالح بشكل كبير جداً على كفة حسين الذي انسحب بالجولة الثانية. بارزاني وإن لم يقتنع بهذا التبرير فإنه مضى في العملية السياسية إلى نهاياتها، عبر المشاركة في الحكومة والبرلمان، لكنه تحالف مع زعيم «التيار الصدري»، مقتدى الصدر، وهو ما جعل «قوى الإطار التنسيقي» تتهمه بتمزيق البيت الشيعي. في مقابل ذلك، التزم «الاتحاد الوطني الكردستاني»، برئاسة بافل طالباني، في تحالفه مع «قوى الإطار التنسيقي»، وهو الذي أنقذها من إمكانية قيام الصدر بتشكيل حكومة الأغلبية الوطنية، التي كادت تقصي «قوى الإطار التنسيقي».
وانطلاقاً من ذلك، فإن قادة «الإطار التنسيقي» أعلنوا أنهم سوف يلتزمون بتأييد مرشح «الاتحاد الوطني»، رغم خلافات بعضهم مع الرئيس برهم صالح. وطبقاً لهذه التعهدات، فقد بقي زعيم «الاتحاد الوطني»، بافل طالباني، مصراً على مرشحه، برهم صالح، حتى آخر الشوط. غير أن التعهُّدات التي سبق أن قدمتها نفس الكتل إلى بارزاني، ومن ثم تنصلت عنها، قدمتها إلى بافل طالباني، عام 2022، ثم تنصلت عنها لحظة التصويت، وهو ما يعني أن ما حصل كان بمثابة كسر لإرادة طرف سياسي مهم في الساحة السياسية، وهو ما يؤشر إلى بداية أزمات مقبلة سوف تبدأ من إقليم كردستان، وتمتد إلى بغداد. فالفائز بمنصب رئيس الجمهورية، عبد اللطيف رشيد، ليس مرشحاً من قبل «حزب الاتحاد الوطني»، وهو ما يعني حصول مشاكل داخل الإقليم الكردي. كما أن المواقع السياسية في بغداد سوف تتأثر طبقاً لهذه المعادلة.ويبقى الأهم في كل ذلك هو موقف الصدر، الذي لا يزال ينتظره الجميع، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى قلب المعادلة، في حال لم يقبل بها.
الشرق الاوسط