ما سرّ التوافق الكردي المُفاجئ وهل يُمهد لحل الانسداد السياسي في العراق؟
2022-05-25 13:45:38
عربية Draw
صلاح حسن بابان- الجزيرة
وأخيرا، لاح ضوء أخضر في نهاية نفق العملية السياسية في العراق بعد عدّة أشهر من انسداد سياسي، وانقسام داخلي ضرب البيوتات الشيعية والسنية والكردية بشأن خريطة تشكيل الحكومة الجديدة، عقب فرز نتائج انتخابات أكتوبر/تشرين الأول الماضي، التي أدت إلى خسارة قوى تقليدية نافذة وصعود قوى أخرى.
هذا التطور اللافت تمثل في إعلان رئيس إقليم كردستان العراق نيجرفان بارزاني -خلال زيارة إلى محافظة السليمانية الأحد الماضي- عن التوصل إلى أرضية مشتركة بين الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البارزاني والاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة بافل الطالباني لإنهاء الأزمة السياسية في الإقليم، في خطوة سارع إلى مباركتها ما يعرف بـ"الإطار التنسيقي" (الذي يضم أبرز القوى الشيعية باستثناء التيار الصدري).
جبهتان متعارضتان
وتشكلت جبهتان متعارضتان داخل البيت السياسي الشيعي والسني والكردي، حملت الأولى منها شعار الأغلبية وضمت تحالف "إنقاذ وطن" الذي يضم التيار الصدري، بزعامة مقتدى الصدر، والحزب الديمقراطي الكردستاني، وتحالف السيادة السني الذي يضم كتلتي "تقدم" بزعامة محمد الحلبوسي و"عزم" بزعامة خميس الخنجر- ويمتلك أكثر من 170 مقعدا في البرلمان، في حين جاءت الجبهة الثانية بشعار التوافقية وتتألف من الإطار التنسيقي والاتحاد الوطني الكردستاني وبعض الكتل الأخرى.
ومثل الانقسام داخل البيت الشيعي، شهد البيت الكردي انشقاقا وانسدادا سياسيا بعد الخلافات الحادة بين الحزبين الديمقراطي والوطني بشأن منصب رئيس الجمهورية؛ إذ طالب الحزب الديمقراطي بهذا المنصب لأنه صاحب أكبر عدد مقاعد نيابية عن الأحزاب الكردية، في وقت يصر فيه حزب الاتحاد الكردستاني على أن يكون المنصب من حصته، نظرا لمبدأ تقاسم المناصب المتفق عليه منذ عام 2003، حيث يسيطر الحزب الديمقراطي على مناصب الإقليم في حين تذهب رئاسة الجمهورية للاتحاد الوطني.
عبدالله استبعد انهيار التحالف الثلاثي بين حزب البارزاني والصدر والسنة (الجزيرة)
هل ينهار "إنقاذ وطن"؟
وبعد زيارة نيجرفان البارزاني إلى السليمانية، أشارت مصادر صحفية كردية إلى اتفاق شبه أولى بدأ فيه نوع من المرونة بين الحزبين الكرديين، يتضمن تقديم تنازلات من كل منهما للوصول إلى مرشح توافقي لرئاسة الجمهورية.
وعن احتمالية أن تكون زيارة نيجرفان إلى السليمانية هي بداية انهيار التحالف الثلاثي، يستبعد الكاتب والمحلل السياسي الكردي عدالت عبد الله ذلك على المدى المنظور على الأقل، قائلا "انهیار ذلك التحالف بمنزلة حسم حالة الانسداد السیاسي الراهن لمصلحة الإطار التنسیقي، وهذا ما یقاومه حتی الآن التیار الصدري ویواجهه بكل قوة".
ويرى عبد الله أن الزيارة تأتي استجابةً لضغوطات دولیة وأميركیة تحدیدا، لا سیما بعد التقریر الذي قدمته مبعوثة الأمم المتحدة إلى العراق هينيس بلاسخارت أمام أعضاء مجلس الأمن الدولي الأسبوع الماضي، الذي انتقد تجربة الإقلیم من خلال صورة سلبیة للغایة عنه نتیجة الصراعات السیاسیة والحزبیة القائمة في الإقليم وانقسامه إلی منطقتي نفوذ بمنزلة تهدید لكیان الإقلیم، والطرف المسؤول فیه هما الحزبان الحاكمان الرئیسیان.
ويشير تقرير بلاسخارت كذلك إلی التهدیدات الإقلیمیة وتراجع التجربة الدیمقراطیة والحریات السیاسیة، إضافة إلی حاجة حزب البارزاني لدعم الأحزاب الكردستانیة الأخری، خاصة حزب الطالباني، لاحتواء الأزمة المُستجدة التي جاءت علی خلفیة قرارات المحكمة الاتحادیة القاضیة بعدم دستوریة عقود الإقلیم النفطیة، وإلزامه بتسليم النفط إلى الحكومة الاتحادية
كل تلك الملفات تأتي بالتزامن مع الخلافات الاقتصادية والمالية القائمة بين بغداد وأربيل حول ملفات الموازنة والطاقة والنفط، ومطالبة وزارة النفط العراقية من شركات النفط والغاز العاملة في كردستان بتوقيع عقود جديدة مع شركة تسويق النفط المملوكة للدولة "سومو" بدلا من حكومة الإقليم، وعيّنت الوزارة -وفقا لتقارير صحفية- شركة المحاماة الدولية "كليري غوتليب ستين آند هاملتون" للتواصل مع تلك الشركات للبدء بمناقشات لجعل عملياتها متوافقة مع القانون العراقي المعمول به.
صالح: الحزب الديمقراطي الكردستاني يُحاول أن يحصل على إجماع كردي لمجابهة قرار المحكمة الاتحادية (الجزيرة)
تأثير طهران
ويتفق رئيس لجنة الطاقة والموارد الطبيعية في برلمان كردستان، النائب علي حمه صالح، مع عبد الله بأن الحزب الديمقراطي الكردستاني يُحاول أن يحصل على إجماع عام داخل الأطراف الكردية لمُجابهة قرار المحكمة الاتحادية ورفضه.
ورغم إجراءات وزارة النفط العراقية الأخيرة تجاه عقود النفط في الإقليم، فإن أكثر ما يُثير استغراب صالح أن الوزارة لم تخط أي خطوة جدية على أرض الواقع حيال ذلك حتى الآن، متوقعا -في حديثه للجزيرة نت- عدم حدوث أي خطوة عملية لحين تشكيل الحكومة العراقية الجديدة.
وعن تأثير طهران على زيارة البارزاني، واحتمالية أن تكون مارست ضغوطها تجاه أربيل للتفاهم مع السليمانية بعيدا عن الصدر، يقرّ المحلل الكردي -في حديثه للجزيرة نت- بأن إيران تلعب دورا محوریا في تطورات العملیة السیاسیة وتمارس شتی أنواع الضغوط لنصرة نفوذها في العراق ودعمها.
ويستطرد بالإشارة إلى أن حزب البارزاني هو الجهة المعرقلة حالیا أمام اجتیاز هذه المرحلة الصعبة التي یمرّ بها العراق بسبب تمسكه بالمطالبة بمنصب رئیس الجمهوریة، لذا ربما هناك مقترحات إیرانیة بخصوص حل الخلافات مع الاتحاد الوطني وحسم ملف منصب رئیس الجمهوریة والوصول إلی تفاهم مشترك.
سلمان يرى أن تمرير جعفر الصدر لرئاسة الوزراء يعتمد على تمرير رئيس الجمهورية (الجزيرة)
هل يكون صالح مقابل الصدر؟
في المقابل، يستبعد المحلل السياسي العراقي، الدكتور حيدر سلمان، أن تفضي زيارة البارزاني إلى التوافق على تجديد ولاية رئيس الجمهورية برهم صالح ليكون مرشح تسوية داخل البيت الكردي مقابل أن يكون جعفر الصدر هو مرشح التسوية للتحالف الثلاثي لرئاسة الوزراء، ويؤكد أن تمرير جعفر الصدر لرئاسة الوزراء يعتمد تماما على تمرير رئيس الجمهورية.
أمّا القيادي في الاتحاد الوطني الكردستاني آراس محمد آغا، فيقرّ بأن حالة الانسداد السياسي في البلاد لا تُفك إلا بالتوافق والحوار والتفاوض بين جميع القوى السياسية كما جرت العادة منذ عام 2003″، ويصف -في حديثه للجزيرة نت- لقاء نيجرفان بارزاني مع بافيل طالباني بـ"مفتاح الحل" للانسداد السياسي الكردي الذي سيُمهد الطريق لحل الخلافات السياسية الأخرى في البلاد سواء الشيعية منها أو السُنية.
آغا توقع أن تشهد الأزمة السياسية نوعا من الانفراج خلال الفترة المقبلة (الجزيرة)
ويتوقع آغا أن تشهد الأزمة السياسية نوعا من الانفراج خلال الفترة المقبلة بعد الاتفاق بين الحزبين الكرديين بشأن الكثير من الملفات العالقة، أبرزها ما يتعلق بانتخابات كردستان ومنصب رئيس الجمهورية وظهور نوع من المرونة بينهما لحل هذه الخلافات.
من جانبه، يقول عضو الحزب الديمقراطي الكردستاني مهدي عبدالكريم إن زيارة نيجرفان للسليمانية مهمة جدا وساعدت على حلحلة المشاكل الموجودة داخل البيت الكردي والانسداد السياسي الموجود في العراق.
عبد الكريم: زيارة نيجرفان للسليمانية ساعدت على حلحلة المشاكل الموجودة داخل البيت الكردي (الجزيرة)
ولا يخفي عبدالكريم -في حديثه للجزيرة نت- مناقشة جُملة من الملفات العالقة بين حزبه مع الاتحاد الوطني، أبرزها ما يتعلق برئاسة الجمهورية وملف النفط والغاز والعلاقة بين أربيل وبغداد، وستكون هناك مباحثات بين المكتبين السياسيين للحزبين لحلها، مؤكدا ضرورة أن يكون هناك موقف موحد للبيت الكردي تجاه المشاكل العالقة مع الحكومة الاتحادية.
ورغم عدم وجود أي موقف رسمي داخل البيت الكردي في ما يتعلق بمنصب رئيس الجمهورية، وهل سيكون هناك مرشح تسوية أم لا، فإن مصادر كردية مطلعة أكدت -للجزيرة نت- أن المرشح سيكون مقبولا لدى الطرفين الكرديين، مع توجه الحزب الديمقراطي بقبول ترشيح برهم صالح شريطة حصوله على دعم حزب الاتحاد الوطني لرفض قرار المحكمة الاتحادية بشأن ملف وعقود النفط والغاز بالإقليم.
المصدر : الجزيرة