عربية:Draw
كشفت مصادر مطلعة عن مغادرة العديد من قادة الفصائل المسلحة العراقية نحو دولة أوروبية حليفة ومجاورة لروسيا، خوفا من عمليات اغتيال أو استهداف قد تطالهم خلال الفترة المقبلة، في ظل تعدد الرسائل الأمريكية بضرورة إنهاء وجود تلك الفصائل وحلها بالكامل.
وفيما نفت فصائل بارزة تلك المعلومات، امتنعت عن الحديث حول أماكن تواجد قادتها، مع تأكيد استمرارها في نهجها “المقاوم”، وسط تأكيد مراقبين، على أن غياب قادة الفصائل سوف يدفع واشنطن للضغط أكثر على الحكومة العراقية التي باتت أمام فرصة تاريخية وأخيرة لتطبيق القانون وحصر السلاح بيد الدولة بشكل نهائي.
ويقول مصدر سياسي مطلع، إن “العراق ليس بعيدا عن أحداث المنطقة، وهناك توجه دولي لإنهاء وجود الفصائل المسلحة، على غرار ما جرى في لبنان وسوريا، وبات الأمر شبه محسوم، خاصة وأن قادة الفصائل المسلحة، سواء المنخرطين في العملية السياسية أو خارجها، ما زالوا متمسكين بنفوذهم ووجودهم، ولم يتقبلوا قرار الانسحاب، لتجنيب البلد أزمة جديدة".
ويوضح المصدر، أن “واشنطن وخلال هذه الفترة مارست العديد من الضغوط، وأوصلت رسائل صريحة بما ستتعرض له الفصائل في حال عدم انسحابها وحل قواتها رسميا”، مبينا أن “قادة الفصائل وفي ظل رفضهم لأي انسحاب وحل رسمي لفصائلهم، ووسط خشيتهم من الاستهداف وعمليات الاغتيال، غادر العديد منهم البلاد نحو دولة أوروبية مجاورة وحليفة لروسيا، ولم يتجهوا إلى إيران أو روسيا، لأن البلدين ليسا بمنأى عن الاستهداف والاغتيال، خوفا من تكرار ما حصل مع جنرالات وقادة سياسيين".
وتدور أنباء غير مؤكدة عديدة ومختلفة حول عدم ظهور زعيم حركة عصائب أهل الحق، قيس الخزعلي، وزعيم حركة النجباء، أكرم الكعبي، وزعماء فصائل مسلحة أخرى.
وحاولت “العالم الجديد”، الحصول على رد من حركة العصائب، سواء من نوابها في البرلمان أو أعضاء مكتبها السياسي، حول مغادرة زعيمها البلاد، إلا أن كلا من النواب محمد البلداوي، ومحاسن الدليمي، وثامر الحمداني، وعلي الجمالي، وسهيلة السلطاني، وعضو المكتب السياسي للحركة، سعد السعدي، امتنعوا عن التعليق حول تلك المعلومات.
لكن، عضو المجلس السياسي لحركة النجباء، فراس الياسر، نفى خلال حديث لـ”العالم الجديد”، “وجود أي استهداف للأمين العام للحركة أكرم الكعبي، أومغادرته البلادط".
ويؤكد الياسر، أن “قادة فصائل المقاومة في أتم الصحة وهم موجودون في ضمن جغرافيا المقاومة”، مبينا أن “كل ما يبث من هنا وهناك كأخبار عن استهدافهم هي عبارة عن أمنيات ورغبات إسرائيلية وأمريكية".
ويتابع، أن “عمل المقاومة مستمر، وهي ما تزال في حرب مع المشروع الإسرائيلي، والأيام القادمة ستشهد كل ما يسر الشعوب العربية والإسلامية”، موضحا أن “التهديدات للعراق والاملاءات على حكومة السوداني بشأن الحشد والمقاومة ليست بجديدة، لأن الرغبة الغربية في اجتثاث أي عامل قوة في المنطقة مستمرة، والمقاومة العراقية عامل قوة أساسي مدعوم من إرادة شعبية كبيرة والحشد الشعبي جزء أساسي من بنية مؤسسات الدولة".
يذكر أن وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، أجرى جولة في المنطقة العربية، وقد هبط في العراق بشكل مفاجئ، في 13 كانون الأول ديسمبر الحالي، والتقى السوداني، وشدد خلال اللقاء، وفقا لما نقلت وكالة “رويترز” على “التزام الولايات المتحدة بالشراكة الاستراتيجية الأمريكية العراقية وبأمن العراق واستقراره وسيادته".
ونقلت وسائل إعلام عن “مصادر سياسية”، يوم السبت الماضي، نقل بلينكن رسائل “تهديد” مباشرة إلى السوداني، بشأن الفصائل المسلحة المدعومة من إيران في العراق، ومستقبل تلك الفصائل وتحركاتها".
يشار إلى أن مسؤولا حكوميا، كشف أن حكومة السوداني تحدثت مع قوى الإطار التنسيقي بشكل “صريح”، وأبلغتهم “حرفيا” أن “الحديدة حامية”، داعية إياهم إلى “التروي والتفكير الجدي في مسألة تفادي ضربة إسرائيلية”، حسب ما نقلت وسائل إعلام عدة.
وحول هذا الأمر، يرى الكاتب والمحلل السياسي، نظير الكندوري، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “ما حدث في لبنان وسوريا من تغيير هائل في ميزان القوى، وتوجيه ضربة قاتلة لما يسمى بمحور المقاومة، من خلال إسقاط نظام بشار الأسد في سوريا، وإلحاق الهزيمة العسكرية بحزب الله في لبنان، شجع كلا من إسرائيل والولايات المتحدة، على محاولة القضاء أو تحجيم الأطراف المرتبطة بإيران في العراق واليمن".
ويستطرد أن “السيناريو المرجح لكل من واشنطن وتل أبيب، هو اعتماد استراتيجية ترتكز على المضي في تحجيم الميليشيات المقربة من إيران، بغض النظر عن الإدارة الحاكمة سواء في الولايات المتحدة أو إسرائيل".
وفيما يتعلق بالعراق، يرى الكندوري، أن “الأنباء المسربة تفيد بأن واشنطن تضغط بقوة على الحكومة العراقية لكي تحل هيئة الحشد الشعبي والميليشيات الأخرى غير المرتبطة بها، وتسليم سلاحها إلى الجيش العراقي، وإلا فإنها ستقوم ربما باستهداف قادة تلك الميليشيات عبر الاغتيالات باستخدام الطائرات المسيرة، وكذلك ضرب مخازن الأسلحة التي تمتلكها".
أما في حالة مغادرة قادة الفصائل للبلاد، يذهب الكندوري إلى أن “هذا السيناريو يمثل هدف الأمريكان، فبغياب هؤلاء القادة ستكون مهمتهم أسهل بالضغط على رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، مع تحرر الأخير من ضغوط أولئك القادة، في حال أقدم على قرار بحل تلك المليشيات، التي ستكون ضعيفة من دون قادتها، ولا تقوى على اتخاذ أي قرار أو موقف للتعامل مع هذه التحديات الكبيرة".
ويشير إلى أن “السوداني، هنا سوف يكون أمام ضغط من جانب إيران التي ترفض بشدة حل الحشد الشعبي أو الفصائل غير المنضوية بالحشد”، مبينا أن “الحكومات العراقية وطوال سنين، نجحت في عقد موازنة دقيقة بين ما تريده إيران والولايات المتحدة، ولكنها هذه المرة تبدو غير قادرة على ذلك، لأن الإرادة الأمريكية حسمت قرارها بوضع حد لما تراه تجاوزا للخطوط الحمراء من قبل إيران وأدواتها في أكثر من دولة عربية".
يشار إلى أن السوداني، توجه يوم الأربعاء الماضي، إلى المملكة العربية السعودية، والتقى في مدينة العلا ولي العهد محمد بن سلمان، وبحثا آخر تطورات الأوضاع في المنطقة وأهمية الاتفاق على التنسيق المشترك بشأن تداعيات الأحداث في سوريا.
جدير بالذكر أن طهران شهدت دعوات داخلية لتغيير استراتيجيتها في المنطقة، حيث حمل النائب حميد رسايي، الحكومة الإيرانية مسؤولية الوضع السوري، واصفا التراجع الإيراني بأنه “فشل".
وأكد ممثل الأمين العام للأمم المتحدة محمد الحسان، في 12 من الشهر الحالي، في مؤتمر صحفي من النجف عقب لقائه نجل المرجع الديني الأعلى في النجف علي السيستاني، أنه ناقش “خطوات النأي بالعراق عن أية تجاذبات سلبية لا تخدم أمنه واستقراره”، وألا يتحول البلد إلى ساحة لتصفية الحسابات، داعيا القوى السياسية العراقية لوضع مصلحة البلد في الصدارة، والتأكيد على أن “أمن العراق والعراقيين غير قابل للمساومة".
وكان المرجع السيستاني، قد أكد في بيان صدر عن مكتبه عقب اللقاء بالحسان في 4 تشرين الثاني نوفمبر الماضي، على منع التدخلات الخارجية بمختلف وجوهها، وتحكيم سلطة القانون، وحصر السلاح بيد الدولة، ومكافحة الفساد.
من جهته، يبين الأكاديمي والمحلل السياسي، طارق جوهر، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “الفصائل المسلحة إذا بقيت على نشاطها الحالي ولم تلتزم بقرارات حكومة السوداني، فسيتم قصف مقراتها وأماكن تواجد رموزها وقادتها من قبل إسرائيل".
ويشير جوهر، إلى أن “لدى الولايات المتحدة الأمريكية خطوات مختلفة عن إسرائيل، فهي تضغط على الحكومة من أجل ضبط الأمن داخل الحدود العراقية، وعدم استمرار حركة الفصائل خارج نطاق وقرار الدولة وضرورة التزام كل الاطراف بتسليم السلاح للحكومة، وهذا يحسب للسوداني، إذا تمكن من نزع سلاح الفصائل وإبعاد أي عملية قصف للأراضي العراقية".
ولا يستبعد “قصف قادة الفصائل”، ويشير إلى أن “من يقف خلفها قد تغيرت وجهة نظره بعد انهيار نظام الأسد، وفقدان إيران قوتها في لبنان وفلسطين بسبب الضربات الجوية القاسية”، مضيفا أن “كل الجماعات المسلحة المرتبطة بإيران سيتم استهدافها في وقت غير معلن، ولكن هذا يتوقف على الاستقرار في سوريا الآن، ثم تليها مرحلة تصفية الآخرين ومعاقبة من ساهموا بقصف إسرائيل".
ويستطرد أن “الإملاءات الخارجية على حكومة السوداني بشأن حل الحشد الشعبي غير واضحة بالرغم من زيارة أنتوني بلينكن المفاجئة لبغداد، ولكن المستشارين الحكوميين والمقربين من بيت القرار، قد كشفوا عن تلك الرغبة الأمريكية رغم نفي السوداني لها، كما أن بلينكن أوصل رسالة حول إيقاف الإمدادات من إيران عبر العراق إلى حزب الله وأذرعها الأخرى في فلسطين، ما ضبط إيقاع الفصائل خارجيا”، منوها إلى “الاتهامات المتكررة للحشد الشعبي بوجود أطراف منه في سوريا ضمن العمليات العسكرية، وهذا لم يعد مقبولا بالنسبة للإدارة الامريكية، بل يجب تنفيذ قرار حله وانخراط عناصره ضمن وزارتي الدفاع والداخلية قبل الانتخابات القادمة".
ويلفت إلى أن “من واجب القوى السياسية في ائتلاف ادارة الدولة إدراك ما يجري في المنطقة، والمتغيرات بجعل مصلحة العراق أولا وعدم تعريضها للخطر بأي إمكانية لقصف الأراضي العراقية وخسارة البنى التحتية والمجازفة بهدم العملية السياسية القائمة".
وفي تقرير سابق لـ”العالم الجديد”، قرأ مراقبون زيارة السوداني للسعودية، كتوجه نحو المحيط العربي، لكنهم رهنوا ذلك بموقف داخلي حاسم، وهو تسوية ملف الفصائل المسلحة، مشددين على ضرورة أن ترافق تلك التحركات الدبلوماسية تطمينات واضحة.
إلى ذلك، يبين المحلل السياسي غازي فيصل، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “المليشيات العراقية كانت جزءا أساسيا من الصراع المسلح في سورية تحت شعارات طائفية والانخراط في استراتيجية ولاية الفقيه نحو شرق أوسط إسلامي شيعي".
ويضيف فيصل، أن “وجود الميليشيات أصبح مقلقا للعديد من الأطراف الإقليمية والدولية، مما دفعها إلى خفض نشاطها وتغيير خطابها ليتطابق مع خطاب استراتيجية التراجع الشجاع للمرشد علي خامنئي”، مبينا أنه “إضافة لما تقدم، أكدت الضغوط الدولية من المجتمع الدولي والولايات المتحدة على ضرورة تفكيك الفصائل المسلحة لضبط المشهد الأمني الداخلي".
ويتابع أن “الصمت الحالي للميليشيات قد يكون استجابة تكتيكية منها لتجنب إثارة انتباه المجتمع الدولي الذي يطالب العراق بإجراءات واضحة لضبط السلاح خارج إطار الدولة”، مؤكدا أن “التحولات السياسية داخل العراق وظهور دعوات متزايدة لتفكيك الميليشيات، مع التأكيد على هيمنة الدولة على السلاح، قد تكون دفعت الميليشيات إلى التراجع مؤقتا لتجنب الدخول في صدام مباشر مع المجتمع الدولي”.
ويلفت إلى تصريحات مستشار رئيس الوزراء (المستقيل حديثا)، إبراهيم الصميدعي، بقوله إن “الولايات المتحدة الأمريكية اشترطت على الحكومة العراقية، أنها إذا لم تفكك الفصائل المسلحة، فإن هذا الأمر سيتم بالقوة، فهو حديث صريح، وما يحتاج إليه العراق اليوم، هو تفكيك الفصائل، فالمجتمع الدولي لن يقبل بعد الآن وجود ثنائية الدولة واللادولة في العراق".
يذكر أن “العالم الجديد”، ناقشت في تقرير موسع انهيار ما يسمى بـ”محور المقاومة”، عقب سقوط نظام بشار الأسد، في سوريا، وقطع الطريق على تسليح حزب الله اللبناني، وإسقاط نظرية “الهلال الشيعي” على نحو سريع ومفاجئ، وبحسب باحثين ومراقبين، فإن عملية طوفان الأقصى كانت بداية النهاية لهذا المحور الذي حمل إيران كلفة اقتصادية وبشرية هائلة، فيما شككوا بقدرة إيران “التوسعية” مستقبلا بعد موت “وحدة الساحات” ونشاط الداخل الإيراني “المعارض".
ويشير مصطلح محور المقاومة أو الممانعة، إلى تحالف عسكري وسياسي غير رسمي مناهض لإسرائيل والولايات المتحدة، ويضم كلا من إيران وسوريا والفصائل العراقية الموالية لطهران، وحركة حماس الفلسطينية، وحزب الله اللبناني، وحركة أنصار الله اليمنية (الحوثيون)، وتصنف الولايات المتحدة معظم تلك الجماعات كمنظمات إرهابية.
المصدر: العالم الجديد
Read more