ما دلالات عدم كشف السلطات العراقية عن الجهات المتورطة في محاولة اغتيال الكاظمي؟
2021-12-06 05:58:36
عربية Draw:
صلاح حسن بابان- الجزيرة
رئيس أكاديمية التطوير السياسي والحُكم الرشيد الدكتور عبد الرحمن الجبوري يرى أن الأعرجي لم يأت بجديد، لكنه لا يخفي أن تكون هناك دلالة واحدة تقف خلف ما أعلنه، وهي أنه يُمكن تأجيل هذه التحقيقات ونتائجها لحين تسوية أزمة الانتخابات.
قام مستشار الأمن الوطني العراقي قاسم الأعرجي بالكشف عن النتائج الأولية للتحقيق في قضية المحاولة الفاشلة لاغتيال رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي في السابع من نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، وهو ما أثار كثيرا من اللغط والشكوك بسبب رسائله المشفّرة، مما عرّضه لجملة من الانتقادات لعدم كشفه عن الجهات التي تقف وراء المحاولة.
وإن عدم كشف الجهة المتورطة في الحادث، والاكتفاء بعرض صور وفيديوهات -تظهر استخدام مقذوفات محلية الصنع تم إطلاقها من طائرتين مسيرتين انطلقتا من شمال شرقي العاصمة بغداد- رجح أن تكون هناك سيناريوهات أو رسائل مشفرة أراد هذا المؤتمر توصيلها لتحقيق غايات سياسية -حسب مراقبين- أبرزها احتمالية أن يكون إعلان النتائج بهذا التوقيت للضغط على القوى الشيعية المحسوبة على الحشد الشعبي -المنضوية تحت ما يسمى "الإطار التنسيقي"- وثنيها عن موفقها الرافض منح الثقة لتجديد الولاية للكاظمي ونتائج الانتخابات معا.
ومن دون أن يُحمّل أي جهة أو شخص مسؤولية الحادث، قال الأعرجي إن الهجوم على منزل الكاظمي كان يهدف لاغتياله، مؤكدا حصول اللجنة المشرفة على التحقيق على إحداثيات موقع انطلاق الطائرة التي استهدفت المنزل، لكنه لم يخف استغرابه من قيام مفرزتين تابعتين لمكافحة المتفجرات والأدلة الجنائية بتفجير المقذوف من دون رفع البصمات، وسُجن بسبب ذلك 8 ضباط من المفرزتين المسؤولتين عن تفجير المقذوف وتحويلهما لوزارة الداخلية.
تفسير المراقبين
ما لم يك متوقعا من حديث الأعرجي تأكيده عدم اتهام اللجنة -حتى الآن- أي جهة أو شخص وتُحمّله مسؤولية الحادث، على عكس ما صرّح به الكاظمي الذي أكد بعد الهجوم أنه يعرف الجهة التي حاولت استهدافه، وكذلك الحال مع المقربين منه، وهذا ما فسرّه مراقبون وخبراء أمنيون بأنها خطوة جاءت لإخماد الفتنة ومنع انزلاق البلاد نحو الهاوية من جهة، وورقة ضغط على الجهات المحسوبة على الحشد الشعبي للتخفيف من موقفها الرافض لنتائج الانتخابات.
وقبل يوم واحد من إعلان نتائج التحقيق، حذر الأمين العام لحركة "عصائب أهل الحق" قيس الخزعلي من اتهام ما أسماها "فصائل المقاومة" بتنفيذ الهجوم الذي استهدف الكاظمي، مشككا -خلال كلمة متلفزة له- في الهجوم، مستندا إلى ضعف الرواية الحكومية وتناقضها، وعدم تصدي منظومة "سي آر إم" (CRM) الدفاعية الخاصة بالسفارة الأميركية -القريبة من منزل الكاظمي- للطائرتين المسيرتين اللتين نفذتا الهجوم، رافعا من سقف تهديداته بأن "محاولة اتهام فصائل المقاومة بهذه القضية هو محاولة للعب بالنار، ومحاولة لجر البلد إلى أزمة كبيرة".
البدراني: توقيت إعلان نتائج التحقيقات جاء لمصلحة الكاظمي ليكون ورقة ضغط بيده ضدّ معارضيه (الجزيرة)
وفي تفسيره لتوقيت إعلان نتائج التحقيقات بالتزامن مع إعلان النتائج النهائية للانتخابات، لا يُخفي الباحث السياسي الدكتور فاضل البدراني أنّ التوقيت يشير -بشكل واضح- إلى اتهامات أطراف تابعة للحكومة لجهات قريبة من أطراف "الإطار التنسيقي"، بالإضافة إلى أنه جاء لمصلحة الكاظمي ليكون ورقة ضغط بيده ضدّ الأطراف المعارضة لعودته رئيسا للحكومة لمرة ثانية.
ويكشف البدراني أنّ هذا التوقيت أراد إيصال رسالتين مشفرتين، الأولى لأطراف "الإطار التنسيقي" وتعنُتهم وعدم قبولهم بنتائج الانتخابات، بأنه سيكون ورقة ضغط عليهم عن طريق تدويل هذه القضية وجعلها قضية كبيرة، سواء في المحاكم الدولية أو القضاء العراقي في حال تم الضغط أكثر بعدم قبول هذه الانتخابات.
وأمّا الرسالة الثانية وهي للجهات ذاتها وتتضمن أنّ من يُعارض عودة الكاظمي إلى رئاسة الوزراء من الممكن أن يطاله القانون، لكنه لا ينكر في الوقت نفسه محاولة الكاظمي للعودة لولاية ثانية، إلا أنه يستبعد ذلك -في حديثه للجزيرة نت- ما لم تتفق عليه الولايات المتحدة وإيران.
أبو رغيف يرى أن عدم الكشف عن الجهات المتورطة في الهجوم يهدف لإخماد نار فتنة في البلاد (الجزيرة)
تناقضات أمنية
إحدى الملاحظات التي سُجلت على مؤتمر الأعرجي أنه تطرّق إلى الأمور الفنية الخاصة بعملية الاستهداف أكثر من الحديث عن جوهر الحادثة، وهو الكشف عن الجهات التي تقف خلفه، ليفسر مراقبون ذلك بأنه جاء مراعاةً للوضع السياسي المحتقن في البلاد ومنع انزلاقها نحو الهاوية.
ومن الملاحظات أيضا أن المؤتمر ظهر فيه بعض التناقضات مُقارنةً مع التصريحات التي سبق أن أدلى بها الكاظمي بأنه يعرف الجهات التي تقف خلف الهجوم، كما يقول الخبير الأمني فاضل أبو رغيف، وهو يرى أن السبب في ذلك هو إخماد نار فتنة أو مراعاة المناخ السياسي العام لمنع دخول البلد في منزلق خطير، وهذا ما دفع الأعرجي -وبطريقة هادئة- إلى عدم ذكر تورط أي جهة أو شخص في الهجوم.
ومع وجود هذه التناقضات حول المؤتمر، إلا أن أبو رغيف -من وجهة نظر أمنية- يُشيد به، ويرى فيه أنه كان الأفضل بهذه الطريقة من غيرها، ولو خرج المؤتمر بصيغة أخرى لتراجعت حظوظ الكاظمي في ولاية ثانية، بالإضافة إلى أن أيّ تصريح فيه حدّية أو تشخيص لربما أحدث ارتدادات وأدى إلى نتائج لا تُحمد عقباها.
لمرّات عدّة، شكّك "الإطار التنسيقي" المحسوب على الحشد الشعبي برواية الحكومة حول استهداف الكاظمي، ووصفها لأكثر من مرّة بأنها "مسرحية"، وهذا ما يؤكده المحلل السياسي هاشم الكندي بقوله إن إعلان نتائج التحقيق بهذا التوقيت جاء كرسالة ضغط وابتزاز ضد من تسمى بـ"فصائل المقاومة الشيعية" لتتراجع عن اعتراضها على الكاظمي لولاية ثانية.
حاول المؤتمر الترويج للكاظمي وإظهاره بصورة المُتسامح لتجديد الولاية الثانية له مع إخفاء الحقائق لهذا الفعل الأميركي الذي خُدع به رئيس الحكومة -حسب الكندي- مؤكدا للجزيرة نت أنّ كل ذلك لن يُثني "فصائل المقاومة" عن موقفها الثابت الرافض لمنح الكاظمي ولاية ثانية وعدم قبول نتائج الانتخابات، بل لا يثنيها عن الطعن في النتائج والذهاب إلى معرفة الجهات التي تقف خلف عمليات التزوير والتلاعب.
الجبوري: المعلومات التي تتكتم عليها الدولة العراقية الآن هي لصالح الدولة فقط (مواقع التواصل)
التكتم لمصلحة الدولة
في الطرف الآخر، يقر رئيس أكاديمية التطوير السياسي والحُكم الرشيد الدكتور عبد الرحمن الجبوري بعدم جدوى ما أعلنه المؤتمر من حيث التحقيق لأنه لم يأت بجديد، لكنه لا يخفي في الوقت ذاته أن تكون هناك دلالة واحدة تقف خلفه، وهي أنه يمكن تأجيل هذه التحقيقات ونتائجها لحين تسوية أزمة قضية الانتخابات بين الفرقاء السياسيين.
ويعزو الجبوري -في حديثه للجزيرة نت- السبب في ذلك إلى أن أي إعلان لنتائج حقيقية في التحقيقات سيؤدي إلى فوضى يرى أن الدولة في غنى عنها، وهذا ما دفع الأعرجي إلى أن يخرج بهذا الشكل لإعادة التوازن للنتائج بعيدا عن مُجاملة أي طرف، ويؤكد أن التحقيقات لم تكُ بالمستوى الحقيقي للدولة العراقية.
ويجيب الجبوري عن سؤال يخصّ موقف الكاظمي من المؤتمر، وفي ما إذا كان راضيا عنه أو لا، بأنه أحيانا عملية الرضا في الدولة تكون نسبية، وعليك أن تُحافظ على الدولة، وإذا وجدت الدولة في إعلان النتائج أي تأثير سلبي عليها، فالتكتم عليها هو الأفضل.
ويخلص الجبوري إلى أن المعلومات التي تتكتم عليها الدولة العراقية الآن هي لصالح الدولة فقط، وليس إرضاء لأي طرف مهما كان، مبينا أن المعلومات التي طرحت بالأمس كانت أشبه بما يكون طلب مهلة أكثر وليس إلا، لكنه يرى أنه كان الأفضل التزام الصمت بدلاً من الحديث بهذه المعلومات فقط.
المصدر : الجزيرة