الحكم و كورونا واقتصاد الفرهود
2020-11-17 09:01:16
مریوان وریا قانع - آراس فٍتاح ( خاص للحصاد draw)
ترجمة : عباس المندلاوي
يواجه اقليم كوردستان كبقية العالم خطر جائحة كورونا ، التي اودت بحياة الكثيرين من ابناء الاقليم من ضمن الاف المصابين بهذا الداء الفتاك الذي تتسع رقعة الاصابة به يوما بعد يوم مما ادى الى تعطيل العديد من الانشطة والفعاليات االحياتية الخاصة والاساسية الرئيسة ، ولكن ما يثير الدهشة والاستغراب في الاقليم هو انعدام شيء اسمه التفكير و الاستعداد او التحضير لما بعد كورونا بعكس ما يجري في بقاع المعمورة ، او حتى الانهماك في ايجاد الحلول للثغرات والنواقص الكثيرة التي كشفتها الجائحة وابرزتها في عدد غير قليل من جوانب المجتمع والاصعدة ، مما يكشف استمرار النهج السلطاني المستهتر والمهمل وغير المسؤول .
وعلى سبيل المثال ، اذا جرت في مجموعة من الدول الاوروبية ، مناقشة متعددة الجوانب حول تغييراو تعديل واعادة صياغة علاقة الدولة بالسوق و الحديث عن احياء و تعزيز "الدولة الرفاە " وتحديد وتقييد مفهوم ومنطق اللبرالية الحديثة بالتزامن مع استعادة الدولة سلطتها على عدد كبير من المجالات الخدمية ، ووضع خطة شراء واستخدام اللقاحات المضادة لفايروس كورونا على الموطنيين ، او بمعنى اخر الاستعداد للانتهاء من عهد الخطر على الامن الصحي والتهيوء لعصر جديد ، فاننا لا نلاحظ عندنا اياً من ذلك وليس هناك اية تساؤلات بذلك المنحى ، بل نرى اهمالا و برودا و إرتجالية لا نظير لها في ادارة البلد وفي حماية حياة الانسان في اقليم كوردستان .
جميع البيانات والمؤشرات تقول لنا ان السلطة في اقليم كوردستان تشكل خطرا كبيرا وماثلا على الامن الصحي والاجتماعي و والسياسي للمجتمع ، ان الاخطر والادهى من هذا الفايرؤس الفتاك هي تلك العقلية الحاكمة و النظام الذي يدير البلاد والعباد ، الوضع عندنا كأنه لم يداهمنا جائحة كورونا ولم تخلق اية تحديات او مشاكل ولم تكشف لنا عن نقاط الخلل والثغرات والعجز .
الحقيقة ان تفشي كورونا في اقليم كوردستان صاحب ظهور العديد من الازمات السياسية والاقتصادية العميقة التي خلقت ارباكا جماعيا وافلاسا متنوعا في مختلف المجالات ، بحيث لا نجد صدىً لتلك الازمات او استجابة حقيقية ، لكن نلاحظ نفس الوجوه التي ادخلت الاقليم في الازمات ا لمتلاحقة تستعرض نفسها باستهتار واهمال مشين .
فمثلا نرى ان النظام الصحي والطبي في الاقليم ليس على مستوى التحديات التي اوجدتها جائحة كورونا ، بل نلمس تهميشا تجاه قطاع الصحة ومنتسبيه ، وكان المفترض التعامل بموضوعية ومساواة في ضمان الخدمات الطبية للمواطنين .
ان عقلية ومخططات خصخصة قطاع الصحة الحقت اضرارا فادحة بالامن الصحي للمجتمع ، بحيث حولت هذه الخدمة الانسانية الاساسية الى تجارة مجردة فاسدة وباحثة عن الاثراء السريع ، وجاء ذلك على حساب حياة مواطنين لا يملكون حتى اجور الكشف الطبي العادي عن الاصابة بمرض كورونا وبدون امل يقضون في بيوتهم دون تلقي اي علاجات خاصة بكورونا.
ان عملية خصخصة قطاع الصحة وبناء المستشفيات الخاصة ذات الاجور الباهضة ، شكلت صفعة قوية ومؤلمة لهذا القطاع الحيوي و تدمير منهجي ومتعدد الجوانب للمفاهيم الاخلاقية والسياسية ، الخاصة بالمساواة في تأمين هذه الخدمة الاساسية للمجتمع ، وهي جريمة اخرى لنظام الحكم السلطاني المتبع في الاقليم .
وعلى غرار قطاع الصحة ، يمر قطاع التربية والتعليم وبجميع مراحله بنفس عمليات الخصخصة والتخريب ،يعتبر قطاع التربية من الخدمات والقطاعات الاساسية المهمة التي ينبغي تامينها وفتح ابوابها لجميع اطفال كوردستان بشكل عادل ودون تمييز .
لكن النخبة السلطانية الحاكمة في الاقليم ادخلت هذا القطاع ايضا في سباق ومزاد الخصخصة والاعمال الخاصة ، بشكل يتم معها خلق خط او فاصل مجحف بين اطفال الاسرو الطبقات الميسورة ومعظم اطفال الطبقات الدنيا .
حكومة اقليم كوردستان لم توقف عمليات الخصخصة عند هذا الحد بل تعداه الى مجالات وقطاعات اساسية ومهمة اخرى منها خدمة الكهرباء التي تعتبر من الضروريات الحياتية للمواطنين ، والتي اُخرجت من من طائلة المساءلة والرقابة والقانون ، وجعلها قطاعا مغلقا ومحصورا لاصحاب الرؤوس الاموال الضخمة الذين هم من القريبيين للاسر السياسية الحاكمة في الاقليم .
فيما سبق استعرضنا جانبا من عمليات خصخصة الخدمات الاساساية والضرورية للمجتمع في اقليم كوردستان عبر ثلاثة نماذج ، تكشف وضعا مرعبا مضافا لتفشي جائحة كورونا في مناطق الاقليم ، حيث يتم اهمال وتهميش المشافي العامة ورفض تأمين رواتب منتسبيها ، مما يخلق وضعا صحيا صعبا ومخيفا بين محدودي الدخل الذين لايملكون مصاريف العلاج في المشافي الخاصة وهذا يؤدي بدوره لزيادة في نسبة الوفيات بين المصابين بفايروس كورونا .
والقسم الاعظم من اطفال كوردستان لايملكون ثمن شراء الهواتف الذكية او الحواسيب المحمولة ( لابتوب و تابليت) لمواصلة الدراسة عبر الشبكة العنكبوتية بنظام ال ( اونلاين ) المعمول به في زمن الكورونا ، مما يحرمهم من التعليم الاساسي ، فضلا عن حرمان الاسر الفقيرة من خدمة الكهرباء بعد اتمام عملية خصخصتها ، اي العودة الى عصر الفوانيس النفطية والغازية .
الاقليم على شفا كارثة انسانية وازمة خانقة في ظل حرمان منتسبي الحكومة من رواتبهم الشهرية اذا استمر تردي العلاقات بين حكومة الاقليم وبغداد بسبب تصدير الاقليم لنفطه بمعزل عن السلطة الاتحادية وعدم تسليم النفط و الواردات الاخرى للخزينة الاتحادية .والتي تدخل الى حسابات الحكام وافراد اسرهم الحاكمة .
وفي هذه الظروف التاريخية الفاصلة ، ينبغي على مواطني الاقليم منع استمرار عمليات خصخصة القطاع العام لصالح مجموعة محدودة من الاسر والافراد ، وانهاء هذه العقلية غير المسؤولة في ادارة الحكم والتحكم في الاقتصاد وادارة الملف النفطي ( الغامض ) و كيفية تأمين الخدمات الاساسية ، وبدون هذا الانهاء سيواجه المجتمع كارثة و سقوطا مدويا و ارباكا وصدمات متتالية ، وخطرا حقيقيا على حياتنا وحياة الاجيال المقبلة .
سنوات طويلة واقتصاد اقليم كوردستان مرهون بنظام وعقلية قطاع الطرق والعصابات ، وما يسود حتى الان عبارة عن اقتصاد النهب ( الفرهود ) و السلب واسلوب العصابات وقطاع الطرق ، والذي يرسم خطوطه الرئيسية الاسر السياسية الحاكمة وافردها يديرونه .
ومما لا شك فيه ان اقتصاد الفرهود ليس اقتصاد تأمين الحياة للمجتمع او ضمان الكرامة او العيش الكريم او لتأمين الخدمات الاساسية والضرورية لسكان اقليم كوردستان ، بل هو اقتصاد ديمومة حكم العوائل والاسر السياسية الحاكمة ، التي تعتبر كوردستان ارضا وشعبا وثرواتا وامكاناتا ملكا لأيمانها .