وكالة"أنباء فارس": خطة نفطية أميركية لتعطيل العلاقة الاستراتيجية بين إيران والعراق
2025-12-08 11:40:05
عربيةDraw:
شكل وصول مليون برميل من النفط الخام من حقول إقلیم کوردستان إلى لويزيانا الأميركية حجر الزاوية في مذكرة تحليلية لمعهد واشنطن، التي تعلن صراحةً أن إحياء صادرات النفط العراقي إلى الأراضي الأمريكية يمثل خطوة عملية وجادة نحو منع مزيد من التقارب بين إيران والعراق.
وقد صدر التقرير الأخير للمعهد حول استئناف صادرات نفط شمال العراق إلى اميركا بالتزامن مع إصدار وثيقة استراتيجية الدفاع الوطني الأميركية 2025 (NDS 2025)، التي تؤكد بوضوح على ضرورة "احتواء نفوذ المنافسين الاستراتيجيين في المناطق المحيطة بالولايات المتحدة" و"تعزيز الروافع الاقتصادية لتشكيل توجهات الحكومات الهشة أو في مرحلة انتقالية".
في إطار هذه الاستراتيجية، لا يُنظر إلى العراق فقط كفاعل مهم في معادلات الطاقة العالمية، بل كنقطة محورية في موازين القوى الإقليمية بين اميركا وإيران.
لذلك، يمكن اعتبار تحرك واشنطن لإدارة وتسهيل عودة تدفق نفط إقليم كوردستان إلى السوق الأميركية جزءاً من جهد أوسع نطاقاً تم تحديده في NDS 2025؛ وهو جهد يهدف إلى ترسيخ النفوذ الاقتصادي والجيوستراتيجي الأمريكي في بغداد، ومنع تحرك الهيكل السياسي العراقي نحو مزيد من الاستقلال الاستراتيجي وتقارب أعمق مع إيران.
وفقاً للتقرير الأخير الصادر عن معهد واشنطن، يمثل نقل أول شحنة نفطية من إقليم كوردستان العراق إلى الولايات المتحدة بعد إعادة افتتاح خط أنابيب العراق-تركيا (ITP) نقطة تحول في بنية الطاقة والجيوستراتيجية العراقية.
فقد تبدو هذه التطورات على السطح وكأنها عملية فنية في مجال النفط والطاقة، لكن الحقيقة هي أنها تكتسب معنى أعمق في السياق السياسي الجديد للعراق: فهي تمثل جهداً منسقاً من قبل الولايات المتحدة لإعادة إنتاج التبعيات الاقتصادية لبغداد، ومنع تحرك الهيكل السياسي العراقي نحو الاستقلال الوظيفي والتقارب مع إيران.
إعادة افتتاح خط أنابيب العراق-تركيا ودخول نفط شمال العراق إلى أميركا
يذكر تقرير معهد واشنطن أنه بعد شهرين من إعادة افتتاح خط الأنابيب، قامت ناقلة نفط تحمل حوالي مليون برميل من نفط إقليم كردستان بتفريغ شحنتها في محطة "لويزيانا" في 24 نوفمبر/تشرين الثاني. لم يكن هذا النقل ممكناً دون "الاتفاق المؤقت" بين بغداد وأربيل والشركات النفطية الدولية، والذي تم التوصل إليه بوساطة مباشرة من واشنطن في سبتمبر/أيلول. أعيد فتح خط الأنابيب الذي كان مغلقاً لأكثر من عامين تحت ضغط وإدارة العمليات الفنية والسياسية الأمريكية، والآن عادت صادرات نفط شمال العراق إلى التدفق مرة أخرى.
وفقاً لتقارير مركز معلومات "كبلر" وشبكة تتبع الناقلات (TankerTracker)، فإن ناقلات نفط أخرى في طريقها إلى الولايات المتحدة، وقد استؤنفت صادرات النفط الخام المتوسط الحامض من شمال العراق، المناسب لبعض مصافي التكرير الأمريكية، بخصومات كبيرة. هذا الاتجاه ليس مجرد عودة فنية إلى السوق؛ بل هو علامة على إعادة تشكيل المسار الذي سعت واشنطن باستمرار إلى ترسيخه على مدى السنوات الخمس عشرة الماضية: وضع الاقتصاد النفطي العراقي في فلك الهياكل المعتمدة على الولايات المتحدة.
الدور التاريخي والمعاد تعريفه لواشنطن في مجال الطاقة العراقية
يذكّر تقرير معهد واشنطن بأن الولايات المتحدة لعبت دوراً مهماً في هيكل الطاقة العراقي لسنوات عديدة؛ بدءاً من تنظيم الحقوق النفطية للأكراد في دستور عام 2005، مروراً بالوساطة في الاتفاقيات المالية بين بغداد وأربيل، وتشجيع الشركات الأمريكية على العمل في الجنوب، ودعم أنشطة الشركات الأميركية في الشمال. والآن، وضعت واشنطن هذا الدور بشكل هادف في مركز سياستها.
تدرك الولايات المتحدة بوضوح أن النفط هو الشريان الاقتصادي الرئيسي للعراق، وأن السيطرة على طرق استخراجه وتصديره وتسويقه يمكن أن تؤثر على هيكل صنع القرار في هذا البلد. إعادة افتتاح خط الأنابيب، وتنظيم التسعير، ومراقبة تسويق شركة سومو، وإدارة ديون الإقليم للشركات الدولية، كلها أدوات تسعى الولايات المتحدة من خلالها إلى ترسيخ دورها في الاقتصاد العراقي وإيجاد نوع من "التبعية الهيكلية".
الرد السريع على التطورات السياسية في العراق بعد الانتخابات
يمكن فهم الأهمية العميقة لهذه التطورات فقط من خلال النظر إلى السياق السياسي للعراق في السنوات الأخيرة. فقد أظهرت نتائج الانتخابات والتحركات السياسية اللاحقة أن التيارات المناصرة للاستقلال، والمعارضة لاستمرار النفوذ الأميركي، والداعية إلى الإخراج الكامل للقوات الأميركية من العراق، تكتسب قوة.
تدعم العديد من الجماعات السياسية في بغداد الآن بشكل صريح أو ضمني نموذج سياسة خارجية أكثر استقلالية، ولديها نظرة أكثر إيجابية تجاه مزيد من التقارب مع إيران.
ومن وجهة نظر واشنطن، يمثل هذا الاتجاه تهديداً استراتيجياً. يمكن أن يؤدي الخروج التدريجي للولايات المتحدة من عمليات صنع القرار العراقية إلى إعادة تعريف سياسات الطاقة والأمن في بغداد.
وفي هذا الإطار بالذات، يؤكد تقرير معهد واشنطن على "ضرورة الحفاظ على الدور الوسيط للولايات المتحدة في مجال الطاقة العراقية". بمعنى آخر، دخول نفط شمال العراق مرة أخرى إلى السوق الأمريكية ليس مجرد صفقة؛ بل هو رد فعل على التطورات السياسية الداخلية في العراق.
تعمل الولايات المتحدة على إعادة هندسة الهيكل الاقتصادي للعراق من خلال التبعية النفطية، لإبقاء بغداد في فلكها، ومنع الحكومات العراقية المستقبلية، حتى لو كانت تحت تأثير التيارات المناهضة للاستعمار أو الموالية لإيران، من الابتعاد بسهولة عن التعاون مع واشنطن.
السعي لاحتواء التقارب في مجال الطاقة بين العراق وإيران
يشير تقرير معهد واشنطن صراحةً إلى أن أحد أهداف هذا النهج هو "تقليل نفوذ إيران في بغداد، خاصة في مجال الطاقة". يوضح هذا التقييم أن واشنطن قد قبلت حقيقة أنه طالما ظل العراق يعتمد على إيران لتلبية احتياجاته من الكهرباء والغاز، فلا يمكن توقع استقرار الهيكل السياسي في بغداد في المسار الذي تريده الولايات المتحدة.
لهذا السبب، يُنظر إلى التعاون في مجال الطاقة بين بغداد وأربيل، وإعادة بناء قدرات الغاز في الإقليم، ومشاريع نقل الغاز من شمال العراق إلى جنوبه، كاستراتيجيات يمكنها من وجهة نظر واشنطن أن تحل محل دور إيران في تزويد العراق بالطاقة.
التداعيات الجيوستراتيجية: إعادة تعريف العلاقات بين العراق وتركيا والولايات المتحدة
يؤكد تقرير معهد واشنطن أيضاً على أن مسار خط أنابيب العراق-تركيا يبدأ من كركوك، مما يعني أن شركة سومو ستكون قادرة على تصدير النفط غير الكردي أيضاً عبر تركيا؛ وهي عملية إذا ما استقرت، ستؤدي إلى تعميق العلاقات بين بغداد وأنقرة. في الوقت نفسه، جعل تخفيض واردات تركيا من النفط الروسي تحت الضغط الأمريكي والأوروبي، خط أنابيب العراق-تركيا خياراً أكثر جاذبية لأنقرة.
ونتيجة لذلك، تعمل واشنطن على إنشاء مثلث جديد في مجال الطاقة يضم العراق وتركيا والولايات المتحدة، يمكن أن يبعد كفة الميزان الجيوستراتيجي عن محور إيران.
الخلاصة: هندسة التبعية الاقتصادية لاحتواء الاستقلال السياسي
من خلال جمع بيانات تقرير معهد واشنطن مع الظروف السياسية الجديدة في العراق، يمكن الوصول إلى استنتاج أكثر وضوحاً: الولايات المتحدة في مرحلة انتقالية من الرقابة الأمنية المباشرة إلى السيطرة الاقتصادية غير المباشرة. الهدف من هذا الهيكل هو ضمان أن النظام السياسي العراقي، حتى إذا وقع في المستقبل تحت قيادة التيارات المناصرة للاستقلال والمعادية لأمريكا، لن يتمكن بسبب التبعيات النفطية والمالية والبنية التحتية من الخروج من إطار التعاون مع واشنطن أو التحرك نحو مزيد من التقارب مع إيران دون تكبد تكاليف باهظة.
ان إعادة افتتاح خط أنابيب العراق-تركيا، ودخول نفط الإقليم إلى السوق الأميركية، والسعي لإعادة تنظيم هيكل سوق نفط شمال العراق، ليست مجرد عملية فنية، بل هي حلقة من استراتيجية شاملة: ترسيخ الوجود الأميركي في اقتصاد العراق لمنع انحراف المسار السياسي لهذا البلد نحو الاستقلال الكامل وتقارب أكبر مع إيران.
المصدر: وكالة أنباء فارس