مع انسحاب واشنطن.. هل تسعى باريس لدور في بغداد؟
.jpg)
2025-09-01 10:51:12
عربية:Draw
في أعقاب المكالمة الهاتفية الأخيرة بين رئيس الوزراء محمد شياع السوداني والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، تتجلى ملامح الدور الفرنسي في العراق بشكل أكثر وضوحا، في ظل تحولات إقليمية ودولية دقيقة، إذ يشير مراقبون إلى أن باريس لا تقتصر رؤيتها على العلاقات الثنائية فحسب، بل تنظر إلى العراق كبوابة استراتيجية تجمع بين الأبعاد السياسية والاقتصادية والدبلوماسية، حيث يمثل نقطة توازن بين الخليج وإيران، كما يشكل أرضا خصبة للاستثمارات الفرنسية في قطاعات الطاقة والبنى التحتية.
وفي هذا الصدد، يقول المحلل السياسي مجاشع التميمي، إن “العلاقات العراقيةـ الفرنسية تشهد اليوم زخما غير مسبوق، ويأتي الاتصال بين السوداني وماكرون في سياق إعادة تموضع فرنسا بالشرق الأوسط بعد الانسحاب الأمريكي الجزئي".
ويضيف التميمي، أن “باريس تدرك أهمية بغداد التي تمثل نقطة توازن استراتيجي بين الخليج وإيران، وأن الانفتاح عليها يمنحها دورا سياسيا واقتصاديا مؤثرا".
وفيما لو كانت التحركات الفرنسية تأتي تزامنا مع الانسحاب الأمريكي، يؤكد أن “فرنسا لا تتحرك لملء فراغ واشنطن فقط، بل تسعى أيضا لاستخدام العراق كجسر لإيصال رسائل إلى طهران وتشجيعها على الانخراط في المفاوضات النووية".
ويتابع أن “البعد الاقتصادي حاضر بقوة في الدافع الفرنسي للاقتراب من العراق، حيث تراهن باريس على عقود الطاقة والبنى التحتية، خاصة عبر شركة توتال إنرجي الفرنسية الرائدة في مجال الطاقة”، مشيرا إلى أن “الاتصال بين السوداني وماكرون ليس بروتوكوليا، بل يعكس إرادة فرنسية في تحويل العراق إلى شريك محوري في توازنات المنطقة وصياغة مرحلة ما بعد الانسحاب الأمريكي".
وأجرى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أمس الأول السبت، اتصالا هاتفيا مع رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني جرى خلاله بحث العلاقات الثنائية بين البلدين، وسبل تعزيز الشراكة والتعاون في مختلف المجالات، فضلا عن مناقشة القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، بحسب بيان لمكتب السوداني.
وأشار السوداني إلى الجهود التي تجريها الحكومة بشأن الدعوة إلى عقد مؤتمر إقليمي في بغداد لبحث قضايا المنطقة، مؤكدا أهمية الزيارة المرتقبة لماكرون إلى بغداد، مجددا تقدير العراق للموقف الفرنسي المبدئي من القضية الفلسطينية، ومشددا على أن الانتهاكات التي ترتكب في الأراضي الفلسطينية تمثل سابقة خطيرة تزيد من تعقيد الوضع الدولي، وتضع النظام العالمي أمام تحديات حقيقية.
وأكد السوداني خلال المكالمة أيضا، أن العراق يركّز على التنمية الاقتصادية، بما يمتلكه من دور بنّاء في المنطقة، محذرا من مخاطر اندلاع حرب جديدة على أمن المنطقة واستقرارها، مشددا على الاستعداد للعمل مع فرنسا وسائر الشركاء، بما في ذلك الجمهورية الإسلامية الإيرانية والولايات المتحدة الأمريكية، لتفادي الانزلاق إلى مواجهة جديدة. فيما أشاد الرئيس ماكرون بمستوى الأمن والاستقرار الذي يشهده العراق، وبجهود الحكومة في الحفاظ على استقرار البلاد.
من جهته، يرى الباحث في الشأن السياسي ماهر جودة، إنه “منذ انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي تسعى فرنسا إلى قيادة أوروبا، خصوصا في ما يتعلق بتنظيم الأوراق الشرق أوسطية الجديدة".
ويضيف جودة، أن “لفرنسا بالتأكيد مطامح في الاستثمار بمجالات النفط والطاقة والإعمار، والعراق يمتلك إمكانات هائلة على الصعيدين الاقتصادي والمالي”، مستدركا أن “الولايات المتحدة لن تسمح بدور فرنسي في العراق، لأنها صاحبة التغيير، وقدمت الكثير من الأموال والسلاح وتكبدت خسائر بالأرواح، وهذه أمور لا يمكن أن تتركها سدى، خصوصا أن المنطقة تمثل حاجة استراتيجية لها".
ويردف أن “الفرنسيين يتمنون انسحاب الأمريكيين لخلق فراغ تستثمره باريس”، لكنه في الوقت ذاته يصف ذلك بأنه “حلم إبليس في الجنة، فواشنطن ما زالت موجودة في العراق منذ أكثر من عقدين".
ويشير الباحث في الشأن السياسي، إلى أن “الإدارة الأمريكية هي التي تقود العملية السياسية، ولا يعتقد أنها ستنسحب من العراق”، معتبرا أن “ما يُطرح في هذا السياق مجرد أمور تكتيكية وإعلامية تتعلق باستبدال قطعات أو تغيير مواقع، وقد تكون أيضا جزءا من أساليب الضغط على السياسيين والحرب النفسية ضد إيران".
ويأتي هذا الحراك الفرنسي في توقيت حساس يتزامن مع خطوات الانسحاب الأمريكي الجزئي من العراق، ما أثار تساؤلات حول ما إذا كانت باريس تسعى لملء فراغ محتمل، أم أنها تعمل على تعزيز حضورها بصورة موازية، يتيح لها لعب دور أكبر في صياغة التوازنات الإقليمية المستقبلية.
ومن المقرر أن يتم سحب القوات الأمريكية من العراق بشكل كامل بحلول عام 2026، وستشمل هذه العملية إعادة تموضع بعض القوات في قواعد بإقليم كردستان وسوريا، ومن أبرز القواعد التي شغلتها القوات الأمريكية في العراق قاعدتا عين الأسد وفيكتوريا.
إلى ذلك، يعتقد المحلل السياسي غالب الدعمي، أنه “لا توجد أطماع فرنسية لشغل الفراغ الذي قد تتركه الولايات المتحدة الأمريكية في العراق، لكن باريس تمتلك طموحا من نوع آخر يتمثل في رغبتها بالاستثمار داخل البلاد، لكون العراق سوقا بكرا وواعدة، وبإمكان فرنسا أن تضع لها موطئ قدم في هذه السوق لتحقيق أرباح في مجالات متعددة مثل الغاز والنفط وغيرها، وهو ما يهمها بشكل كبير".
ويضيف الدعمي، أن “هناك في المقابل صراعا أمريكيا فرنسيا على الاستثمارات، وهذا الأمر واضح في قارات أخرى مثل إفريقيا أو أستراليا، لذلك فإن فرنسا تسعى بشكل أو بآخر للحاق بالمنافسة".
ويشير إلى أن “باريس كانت قد حاولت ذلك في زمن رئيس الوزراء الأسبق عادل عبد المهدي، وهي تكرر المحاولة الآن مع حكومة محمد شياع السوداني”.
المصدر: موقع العالم الجديد