السوداني في مهمة إقناع طهران بتفهم الوضع الحساس لبغداد
2025-01-06 07:06:09
عربية: Draw
تلوح زيارة يقوم بها رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني في وقت لاحق من الأسبوع الجاري إلى إيران مختلفة عن الزيارات التي تبادلتها قيادات البلدين وكبار مسؤوليهما على مدى السنوات السابقة، كونها تأتي في ظرف إقليمي ودولي شهد تقلّبات سريعة ومفاجئة أثّرت على وضع إيران ونفوذها في المنطقة ويُتوقّع أن لا تكون من دون تأثيرات على العلاقة بين بغداد وطهران وما تميّزت به على مدى العقدين الأخيرين من ترابط وثيق سببه هيمنة قوى شيعية حليفة للإيرانيين على مقاليد الدولة العراقية وقرارها السياسي والاقتصادي والأمني.
ووضع المكتب الإعلامي للسوداني الزيارة التي حدّد موعدها بيوم الأربعاء تحت العنوان البروتوكولي المعهود وهو بحث العلاقات الثنائية، لكنّ مصادر سياسية قالت إنّ تداعيات سقوط نظام بشار الأسد في سوريا وهزيمة حزب الله في لبنان ومطالبات الولايات المتّحدة بضبط سلاح الميليشيات والحدّ من هيمنتها على المشهد الأمني وتدخلها في القرار السياسي العراقي ستكون على رأس أجندة الزيارة.
وتوقّعت ذات المصادر أن لا تخلو مهمّة رئيس الحكومة العراقية في طهران من صعوبة وتعقيد كونه سيحاول خلالها إقناع القيادة الإيرانية بتفهّم ظروف حكومته وما تتعرّض له من ضغوط بسبب الفصائل المسلّحة والعلاقة مع إيران وخصوصا ما يتعلّق بعدم الالتزام بالعقوبات الاقتصادية المفروضة عليها وغض الطرف عن حركة تهريب عملة الدولار والنفط وبالتالي مساعدة الإيرانيين على الالتفاف على تلك العقوبات.
ويتوقّع أغلب الملاحظين أن تشتّد ضغوط واشنطن على بغداد خلال ولاية الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ولذلك ستكون محاولة التوافق مع إيران بشأن طريقة التعامل مع تلك الضغوط ضمن المواضيع التي سيبحثها السوداني مع القيادة الإيرانية.
وقال أحد المصادر إنّ المكانة المتراجعة لإيران في المنطقة بسبب انكسار الحلقتين اللبنانية والسورية في محورها تشجّع السوداني على فتح ملفات حساسة مع القيادة الإيرانية على غرار مطالبتها بالمساعدة في ضبط حركة الميليشيات التابعة لها في العراق وإقناعها بعدم التعرض للقوات الأميركية لتجنّب استثارة غضب إدارة ترامب، وكذلك الاستعداد لالتزام العراق بتطبيق العقوبات الاقتصادية على إيران.
وقال مكتب السوداني في بيان إن زيارة الأخير لإيران “ستتضمن بحث العلاقات الثنائية بين البلدين وسبل تعزيزها وذلك في ضوء ما تحقق خلال زيارة الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان إلى بغداد في شهر سبتمبر من العام الماضي، فضلا عن التطورات التي تشهدها المنطقة.”
وتكمّل الزيارة حراكا كثيفا بدأته الحكومة العراقية منذ سقوط نظام بشار الأسد في سوريا وذلك بهدف إيجاد صيغ مشتركة مع بلدان المنطقة لمواجهة الانقلاب الكبير في المشهد الإقليمي.
وزار السوداني كلاّ من الأردن والسعودية وأجرى مكالمة هاتفية مع الرئيس الإماراتي الشيخ محمّد بن زايد آل نهيان تم التطرّق خلالها إلى “عدد من الموضوعات والملفات الإقليمية والدولية محل الاهتمام المشترك.” كما شارك العراق في مؤتمر العقبة بالأردن إلى جانب العديد من الدول من بينها الولايات المتحدة.
وستكون زيارة السوداني الأربعاء إلى إيران الرابعة من نوعها في ظرف عام وبضعة أشهر بعد زيارته لطهران في مايو الماضي لحضور جنازة الرئيس الإيراني السابق إبراهيم رئيسي الذي قضى في حادث تحطم مروحية، ثم الزيارة التي قام بها في يوليو لحضور مراسم تنصيب الرئيس الحالي بزشكيان، وقبل ذلك الزيارة التي قام بها في نوفمبر 2023.
أما بزشكيان فقد زار العراق في سبتمبر الماضي وشملت زيارته كذلك إقليم كردستان بمركزيه الرئيسيين أربيل معقل الحزب الديمقراطي الكردستاني والسليمانية معقل الاتحاد الوطني.
وتنظر إيران إلى العراق باعتباره مجالها الحيوي أمنيا واقتصاديا وحلقة مهمّة في محورها بالمنطقة. ويُتوّقع أن تكون الضربات التي تلقاها نفوذها الإقليمي مؤخّرا دافعا لها للمزيد من التشبّث بذلك المجال والبحث عن صيغ مختلفة لعدم خسارته.
ويتوقّع أن تكون عملة الدولار الأميركي مدار المعركة التي ستبادر إلى إعادة فتحها الإدارة الأميركية الجديدة بقيادة الرئيس العائد إلى البيت الأبيض دونالد ترامب بهدف دفع حكومة بغداد إلى الالتزام بالعقوبات المفروضة من قبل واشنطن على طهران ولتجفيف منابع تهريب الدولار من العراق إلى إيران وحرمان الأخيرة من الاستفادة من المبالغ التي تحولّها الخزانة الأميركية بشكل منتظم إلى السلطات المالية العراقية.
ولن تخلو المعركة من تعقيدات جانبية إذ إنّ التزام حكومة رئيس الوزراء محمد شياع بتطبيق تلك العقوبات، وفرض رقابة صارمة على حركة الدولار، سيجعلها في مواجهة مع الأحزاب والميليشيات الشيعية الحليفة لإيران وذات النفوذ الكبير داخل أجهزة الدولة العراقية والمستفيدة من ضعف آليات الرقابة على التلاعب بالعملة الصعبة وتهريبها لضمان مصلحة حليفتها في هذا المجال وأيضا للاستفادة ذاتيا من خلال تحصيل مبالغ كبيرة وثروات طائلة تذهب إلى جيوب قادتها وزعمائها ويوظف جزء منها لتويل أنشطتها بما في ذلك تغطية تكاليف التسليح ودفع رواتب المقاتلين بالنسبة للفصائل المسلّحة.
ولم يخل ما حدث في سوريا من إثارة مخاوف لدى القوى الشيعية القائدة للدولة العراقية من هبوب رياح التغيير على نظامها وفقا لمفعول أحجار الدومينو. وهي مخاوف أذكتها الضغوط الأميركية التي اتّجهت رأسا صوب المطالبة بتحجيم القوة الأساسية لتلك القوى والمتمثّلة في سلاح الميليشيات.
وتلقّى السوداني بحسب مصدر سياسي نقلت عنه وسائل إعلام عراقية رسالة من ترامب الرئيس الأميركي المنتخب حديثا.
وقال المصدر إنّ الرسالة نقلها مبعوث خاص قام بزيارة غير معلنة لبغداد وتعلّق محتواها بضرورة ضبط السلاح الخارج عن سيطرة الدولة وتقييد حركة الفصائل المرتبطة بإيران.
ولا يمكن تنفيذ مثل تلك المطالب الأميركية دون تعاون إيران التي تمتلك سلطة كبيرة على الميليشيات العراقية التي ساهمت طهران أصلا في تشكيلها وتسليحها وتحتفظ بعلاقات واسعة مع قادتها.
المصدر: صحيفة العرب