هل يواجه إقليم كردستان خطر الانقسام إلى إدارتين منفصلتين؟

2024-09-27 11:50:51

عربية:Draw

كشفت انتخابات برلمان إقليم كردستان المقرر إجراؤها في العشرين من شهر أكتوبر القادم عن مدى عمق وتجذّر الخلافات بين الحزبين الشريكين في قيادة الإقليم الذي يتمتّع بحكم ذاتي ضمن الدولة الاتحادية العراقية، الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، وأثارت الأسئلة بشأن مستقبل التعايش بين الحزبين اللذين يتقاسمان النفوذ في الإقليم مشكّلين بذلك نواتين لإدارتين مستقلّتين بدأ الحديث يروج بشأن إمكانية قيامهما في ظل ما هو جار من تجاذبات حادّة بين الحزبين.

ولم تكن الانتخابات وما دار حولها من خلافات ومعارك سياسية وإعلامية، تسبّبت في تأخيرها عن موعدها الأصلي بسنتين، سوى مؤشر على خلافات أعمق بين الحزبين ذات جذور تاريخية وامتدادات إقليمية.

وتعذّر على مدى السنوات الماضية توحيد قوات الإقليم من بيشمركة (الجيش) والأسايش (الشرطة) والمنقسمة بين الحزب الديمقراطي بقيادة أفراد أسرة بارزاني والاتحاد الوطني بقيادة ورثة الرئيس الراحل جلال طالباني اللذين بدا أنّ كلاّ منهما يفضل الاحتفاظ بسلطته على قواته لحماية نفوذه ومصالحه، وذلك في تعبير واضح عن عدم ثقة كل طرف بالطرف المقابل.

وجاء فشل توحيد القوات رغم الجهود التي بذلتها الولايات المتحدة الأميركية ذات المصلحة في تماسك الإقليم الذي وقفت أصلا وراء استكمال تجربته في الحكم الذاتي ليكون شريكا سياسيا وأمنيا موثوقا لها في ظل عدم استقرار علاقتها بالقوى الحاكمة في العراق والموالية  في غالبيتها لإيران.

وساهم العامل الإقليمي في تعميق الخلافات بين الحزبين الرئيسيين في إقليم كردستان، حيث ازدادت ثنائية الولاء لكل من تركيا وإيران وضوحا خلال السنوات الأخيرة.

وطوّر حزب بارزاني علاقات وثيقة مع تركيا سياسية واقتصادية وأمنية وأصبح حليفا لها في مواجهتها العسكرية ضدّ مقاتلي حزب العمّال الكردستاني المنتشرين في عدد من مناطق الإقليم، وذلك في مقابل تمتين حزب طالباني لعلاقاته مع إيران المجاورة ما جعله صديقا لأذرعها الحاكمة في العراق من أحزاب وفصائل شيعية مسلّحة.

وتخدم الخلافات بين الحزبين الحاكمين في كردستان العراق بشكل مباشر كلاّ من أنقرة وطهران اللتين، وإن كانتا تتنافسان على النفوذ في العراق بما في ذلك الإقليم التابع لدولته الاتحادية، تتقاسمان الرغبة في عدم قيام أي كيان خاص بالأكراد في المنطقة وسبق لهما أن جسّدتا تلك الرغبة في تعاونهما الفعال سنة 2017 مع بغداد لإحباط استقلال الإقليم عبر الاستفتاء الذي تم تنظيمه آنذاك بدفع من زعيم الحزب الديمقراطي مسعود بارزاني.

وعلى هذه الخلفية فإنّ قيام إدارتين منفصلتين في إقليم كردستان العراق سيكون بمثابة هدية ثمينة من السماء لكل من إيران وتركيا.

وتمتلك الدولتان وسائل تعميق الخلافات بين الحزب الديمقراطي والاتحاد الوطني. وفي مقابل صداقتها مع حزب بارزاني وتطويرها علاقتها معه، عملت تركيا على استعداء حزب طالباني عبر اتهامه بدعم “الإرهاب” الذي يمثله وفق منظورها حزب العمال الكردستاني. وفجّر ذلك موجة اتهامات بين الحزبين وخصوصا اتهام الاتحاد الوطني الحزبَ الديمقراطي بـ”خيانة” قضية الأكراد و”بيعهم” لعدوّهم القومي الأول في المنطقة.

وقال زعيم الاتحاد الوطني بافل طالباني في مستهل الحملة الانتخابية لحزبه إن حزب بارزاني فشل في الدفاع عن حقوق الأكراد وفي حماية أرض كردستان واتهمه ببيع الأرض لـ”أعداء الأكراد وكردستان”، في إشارة إلى تركيا.

وأضاف مخاطبا مواطني الإقليم “يجب أن تشعروا بالأمان، وليس كما هو اليوم، عندما تقوم طائرات مسيّرة للعديد من الدول بالتحليق فوق رؤوسنا، فكل هؤلاء المواطنين والشباب يُقتلون في هذا البلد، ولا أحد ينطق بحرف، وكل تركيز الحزب الحاكم في كردستان ينصبّ على مصالحه الخاصة وجيوبه”.

أما إيران فتعوّل على أذرعها في العراق لسحب الاتحاد الوطني نحو معسكرها، وهو أمر متحقق إلى حدّ كبير عبر الصداقة الواسعة بين قيادة الحزب وزعماء أبرز الأحزاب والميليشيات الشيعية مثل قيس الخزعلي زعيم ميليشيا عصائب أهل الحق الصديق الشخصي لزعيم الاتحاد الوطني بافل جلال طالباني.

وأصبح حزب طالباني يعوّل على تلك الصداقات لقلب معادلة الحكم في إقليم كردستان العراق على غريمه حزب بارزاني.

وساعدت العلاقة الجيدة بين الاتحاد الوطني والقوى النافذة في الدولة الاتحادية العراقية وذات السطوة على مؤسساتها، بما في ذلك مؤسسة القضاء، على تمرير تعديلات عبر المحكمة الاتّحادية كان اقترحها حزب طالباني على قانون انتخابات برلمان الإقليم وأغضبت حزب بارزاني إلى درجة إعلانه عن مقاطعة انتخابات أكتوبر القادم قبل أن يعود لاحقا عن قراره.

وجاءت الحملة الانتخابية لترفع مجدّدا سقف توتر العلاقات بين الحزبين ولتسلك الخلافات بينهما طريق اللاّعودة، حيث هاجم زعيم الاتحاد الوطني بافل طالباني قيادات الحزب الديمقراطي واتهمها بالفشل في إدارة الشأن العام بالإقليم، محملا الحزب مسؤولية تردي أوضاع الإقليم الاقتصادية والاجتماعية، ومتوعّدا بإزاحته من الحكم عبر الانتخابات القادمة.

وردّت عليه قيادات في الحزب الديمقراطي واتهمته بعدم المسؤولية وبتهديد استقرار الإقليم وأمنه ودفعه إلى حافة الاحتراب الداخلي.

وعلّق القيادي في تحالف الفتح علي حسين الفتلاوي على حالة التوتّر المصاحبة للحملة الانتخابية في إقليم كردستان معتبرا أنّها علامة على انقسام عميق داخل الإقليم.

وقال الفتلاوي إن “الاتهامات ولغة التخوين التي أطلقها كل من رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود بارزاني ورئيس الاتحاد الوطني بافل طالباني تكشف عن مدى تجذر الخلاف بينهما".

وأضاف في تصريحات لوسائل إعلام محلية أنّ “الاتهامات بين الحزبين كانت على مستوى المحللين والقياديين لكلا الحزبين، إلاّ أنها مع بدء الدعاية الانتخابية وصلت إلى رأس الهرم".

ولم يستبعد أن يفضي تفاقم الخلافات إلى “انقسام في الإقليم والذهاب إلى طريقين مختلفين وإدارتين منفصلتين تماما".

ويمكن تصنيف كلام القيادي في التحالف الذي يعتبر الممثل السياسي للحشد الشعبي باعتباره أكثر من مجرّد تحليل أو توقّع، وأنّه جزء من الترويج لانقسام الإقليم الذي قد تكون قوى شيعية حاكمة في العراق تعمل على تسريع وتيرته.

ويتركّز نفوذ الاتحاد الوطني بشكل رئيسي في محافظة السليمانية وفي حلبجة المرشحّة لتتحول إداريا إلى محافظة، بينما يتركّز نفوذ الحزب الديمقراطي في محافظتي أربيل ودهوك.

ونجح الحزبان في التغلغل عميقا في مؤسسات الحكم الذاتي في منطقتي النفوذ المذكورتين وفي جعل كل منهما بمثابة مقاطعة تابعة له، وهو ما يجعل الأرضية مهيّأة سلفا لانقسام إقليم كردستان.

وتوجد تجمّعات للأكراد خارج حدود الإقليم في محافظات مثل كركوك ونينوى وديالى، الأمر الذي يجعل صراع الحزبين يمتد إلى تلك المحافظات للحصول على مناصب في حكوماتها المحلية.

وكثيرا ما تسبّب الصراع في إضعاف حضور الحزبين معا وتأثيرهما في الحكومات. وبعد انتخابات مجالس المحافظات التي أجريت نهاية العام الماضي دار صراع شرس بين حزبي بارزاني وطالباني على قيادة الحكومة المحلية في كركوك وكان ذلك سببا إضافيا في المزيد من تأجيج الخلافات بينهما.

المصدر:صحيفة العرب

بابه‌تی په‌یوه‌ندیدار
مافی به‌رهه‌مه‌كان پارێزراوه‌ بۆ دره‌و
Developed by Smarthand