استقبل السوداني الرئيس الإيراني بذقن حليق وربطة عنق
2024-09-13 14:44:44
عربية:Draw
في أول زيارة رسمية خارجية له، حط الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان في بغداد، أبرم خلالها 14 مذكرة تفاهم، وفيما وجد مراقبون أن معظم هذه المذكرات تصب في صالح إيران، أشار مقرب من رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، إلى أن هدف الزيارة هو تشكيل تحالف اقتصادي كبير مع مصر والأردن بوساطة ومشاركة عراقية.
ويقول السياسي المقرب من رئيس الوزراء، عائد الهلالي،إن “الزيارة بحثت في مستقبل المنطقة، بضمنها العلاقات الإقليمية والدور الذي يمكن أن يؤديه العراق في تقريب وجهات النظر بين إيران ودول الإقليم، إذ يعمل العراق الآن على تقريب وجهات النظر بين إيران من جهة ومصر والأردن من جهة أخرى".
ويرجح الهلالي، أن “ينخرط الجميع في تحالف اقتصادي كبير جدا، وهذا قد يوفر مناخا للتنمية في المنطقة، إذ من الممكن أن يتحول هذا التحالف إلى قوة في الاقتصاد العالمي ورسم سياسات المنطقة".
إضافة إلى ذلك، يعتقد بأن “هناك الكثير من الملفات بين البلدين، وأن إيران تعتبر العراق بوابة للعلاقات مع المنطقة العربية التي تعوّل عليه أيضا من جانبها كثيرا في تقريب وجهات النظر مع الجانب الإيراني".
ووصل الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، الأربعاء، إلى العراق في أول زيارة خارجية رسمية له، بعد انتخابه رئيسا للجمهورية الإسلامية، خلفا للراحل إبراهيم رئيسي، وكان في استقبال بزشكيان في مطار بغداد الدولي، رئيس الحكومة محمد شياع السوداني.
ويرى الهلالي، أن “الزيارة مهمة جدا، لأنها كان من المفترض أن تجري في زمن الرئيس الإيراني الراحل إبراهيم رئيسي، لولا حادثة رحيله التي حالت دون ذلك”، لافتا إلى أن “زيارة بزشكيان قد شملت جملة من الاتفاقات في ملفات عدة، أمنية وتربوية وثقافية وسياحية، إذ ستؤسس هذه المذكرات إلى علاقة غير مسبوقة مع إيران".
وألغى حادث الطائرة الذي توفي فيه إبراهيم رئيسي، في شمال إيران، زيارة كان مقررا أن يجريها الرئيس الإيراني، إلى العاصمة بغداد نهاية أيار مايو الماضي، لمناقشة “التعاون المشترك بين البلدين".
“ذقن حليق”!
ويعرّج الهلالي، على ما أسماها “رسالة مهمة”، أراد السوداني، إيصالها في استقبال نظيره عبر قيافته، إذ “استقبل الرئيس الإيراني بذقن حليق وربطة عنق، وهذه رسالة أراد السوداني إيصالها إلى إيران بأننا دولتان متكافئتان، أي أن العراق ليس جزءا من إيران، إذ لم يظهر السوداني كما اعتاد في بعض الأحيان من دون ربطة عنق وذقن غير حليق".
وعلى هامش الزيارة، أعلن السوداني وبزشكيان من بغداد، توقيع 14 مذكرة تفاهم بين البلدين كمقدمة “لتعزيز التعاون” الثنائي، وفيما كرر السوداني الحديث عن رفض حكومته استغلال الأراضي العراقية للقيام بأعمال تهدد أمن إيران، شدد الرئيس الإيراني على أن طهران تريد “عراقا قويا مستقرا آمنا مستقلا".
إفلات من العقوبات!
لكن من جهته، يرى المحلل السياسي محمد نعناع،” أن “هذه الزيارة استمرار للجهود الإيرانية في استغلال العراق، للإفلات من العقوبات الدولية، والمزيد من استخدامه أيضا كمجال حيوي وبعد أمني وقومي".
وبشأن الاتفاقيات، يشير نعناع، إلى أن “هذه الاتفاقيات غامضة وتفاصيلها غير معلومة، وهي على ما أعتقد كمثيلاتها السابقة لا يستفيد منها العراق، بل إيران بالدرجة الأولى”، لافتا إلى أن “الاتفاقيات مكررة حتى في العناوين والقطاعات التي شملتها، لذا فما هي إلا تجديد للاستفادة الإيرانية من الوضع العراقي".
وتشمل المذكرات الموقعة مجالات التربية والإعلام والاتصالات والزراعة والمناطق الحرة العراقية الإيرانية، إذ أشار السوداني إلى أن هذه المذكرات ستمثل مع مذكرات التفاهم الموقعة السابقة خارطة عمل واعدة للمضي في تعزيز التعاون المشترك بين البلدين، مؤكدا أنه كلما اتسعت هذه الشراكات، فإنها تنعكس إيجاباً على مستوى الاستقرار الإقليمي، كما أكّد بزشكيان أنه والسوداني بحثا في مشاريع استراتيجية على المدى البعيد ستؤدي إلى تعاون أكبر بين البلدين.
تباين المصالح
بدوره، يذكر الخبير الاقتصادي زياد الهاشمي، أنه “على الرغم من العلاقة الاستراتيجية التي تصل إلى مستوى التحالف على الصعيد السياسي والأمني بين العراق وإيران، إلا أن العلاقة الاقتصادية تعد علاقة ملتبسة يشوبها في كثير من جوانبها تباين المصالح".
ويكمل الهاشمي،“في مجال الطاقة نجد أن الجانب الإيراني يرى ثمة تلكؤا عراقيا في تسديد مستحقات مبيعات الغاز والكهرباء والتي تجاوزت 11 مليار دولار تراكمت منذ 2017، في حين يرى العراق أنه قد استنفد كل الطرق لسداد ما بذمته".
وفي ملف الربط السككي، يشير الهاشمي، إلى أن “إيران تطمح أن تكون الجغرافيا العراقية ممرا للربط مع الموانئ السورية، وهذا ما جعل العراق يتردد في الاستجابة بتسهيل عملية الربط، لما في ذلك من مخاطر محتملة على مشاريعه المستقبلية للنقل".
ولهذه الأسباب يرى الخبير الاقتصادي، أن “هذه الزيارة مهمة للجانب الإيراني أكثر بكثير منها للجانب العراقي، لكنها بكل الأحوال فرصة لاستكشاف توجهات الرئيس الإيراني الجديد الذي يواجه ضغوطا داخلية في إيران للتعامل مع المشاكل الاقتصادية، وأهمها التضخم وسوء الإدارة وانتشار الفساد".
وتستمر زيارة بزشكيان ثلاثة أيام يعقد خلالها، بالإضافة إلى الاجتماعات الرسمية، لقاءات مع إيرانيين ورجال أعمال، في بغداد وإقليم كردستان.
إلى ذلك، يجد مدير المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية غازي فيصل، خلال أن “تطوير العلاقات بين العراق وإيران لا بد أن يتضمن تنظيم اتفاقيات ومذكرات تفاهم، لكن المشكلة الحقيقية تكمن في أن إيران تخضع للعقوبات الاقتصادية".
ويضيف فيصل، أن “العقوبات مع ذلك، لا تشمل جميع السلع الغذائية أو الدوائية أو ما يتعلق بالحاجات الإنسانية، فالحظر مفروض على النفط والغاز، والعراق يحصل على استثناء خاص من الإدارة الأمريكية كل ثلاثة أشهر من أجل توفير الطاقة الكهربائية".
ويرجح أن “العقوبات يمكن تجاوزها بتبادل السلع بالعملات الوطنية، كما حصل مع الصين، فهذا التبادل مهما يكن، هو أفضل من ذهاب الدولار إلى إيران، لأن هذا يشكل كارثة اقتصادية على العراق".
وفيما يتعلق بتنفيذ هذه الاتفاقيات، يلفت إلى أن “ذلك يرجع إلى مدى جدية الحكومتين والمصالح المتبادلة وإذا ما كانت مصلحة للعراق في تنفيذها ستتابعها الحكومة العراقية بتشكيل لجان لغرض التنسيق والمتابعة لتنفيذها".
ووقع العراق وإيران في 19 آذار مارس 2023 اتفاقية أمنية، تتضمن التنسيق في مجال حماية الحدود المشتركة بين البلدين، فضلا عن توطيد التعاون المشترك في مجالات أمنية عدة، تشمل نزع أسلحة المجموعات الانفصالية المسلحة، الموجودة في إقليم كردستان، وإخلاء الثكنات العسكرية (المعارضة لطهران) ونقل عناصرها إلى مخيمات.
وقبيل زيارة بزشكيان إلى العراق سلّمت قوات الأمن الداخلي في السليمانية (الأسايش)، ناشطا كرديا إيرانيا معارضا إلى السلطات الإيرانية، ما أثار لغطا وجدلا داخليا كبيرا.
وتأتي زيارة بزشكيان وسط اضطرابات في الشرق الأوسط أثارتها الحرب التي اندلعت في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس في السابع من تشرين الأول أكتوبر 2023، والتي دفعت الفصائل المسلحة في العراق وجميع أنحاء المنطقة لدعم الفلسطينيين.
وكان من المرتقب أن يزور الرئيس الإيراني الراحل إبراهيم رئيسي العراق في 28 أيار مايو الماضي، لتوقيع جملة من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم الأمنية والسياسية والاقتصادية بين الجانبين، بما فيها قرار رفع التأشيرات وإلغاء الازدواج الضريبي، والتنسيق في مجال حقول النفط المشتركة بين البلدين والتي ما زالت غير مستثمَرة حتى الآن، لكن مصرعه في تحطم مروحيته، في 19 أيار مايو، حالت دون ذلك.
كما كان من المفترض توقيع مذكرات تفاهم أمنية واقتصادية بين بغداد وطهران، إلا أنها أجلت إثر حادثة مقتل رئيسي، وذلك قبل مراجعتها من قبل وزير الخارجية الإيراني بالإنابة علي باقري كني، الذي زار بغداد في 13 حزيران يونيو الماضي، تمهيدا لتوقيعها في الفترة المقبلة.
المصدر: العالم الجديد