تحرّك الميليشيات في ديالى يخرج إلى العلن سباق السيطرة على منابع النفط بشمال العراق
2024-08-26 06:56:04
عربية:Draw
أثار اقتحام مفاجئ نفذته فجر الأحد قوّة من الحشد الشعبي لمنطقة بشمال محافظة ديالى شمالي العاصمة العراقية بغداد تحوي بئرا نفطية وواقعة ضمن مناطق سيطرة قوات البيشمركة، امتعاضَ جهات كردية عراقية رأت في الحادثة تحرّشا من قبل الميليشيات الشيعية المشكّلة للحشد بمنابع النفط ومنشآته ومقدّمة للسيطرة على بعضها.
وهوّنت مصادر حكومية عراقية من انتشار قوات الحشد الشعبي في ناحية كولاجو بمنطقة كرميان على الحدود بين محافظتي ديالى والسليمانية وهي من المناطق المتنازع عليها التي يطالب أكراد العراق بضمها إلى إقليمهم، وقالت إنّها جزء من عملية أمنية روتينية نفذها الحشد بحثا عن عناصر إرهابية تم رصد تحركات لها في تلك المنطقة، لكنّ الإعلام التابع لميليشيا عصائب أهل الحقّ بقيادة قيس الخزعلي سارع إلى وصف الاقتحام الذي نُفّذ باستخدام رتل عسكري كبير يضم الآلاف من المقاتلين والعشرات من المركبات والآليات العسكرية بأنّه عبارة عن عملية سيطرة على بئر للنفط مخصصة للتهريب إلى الخارج، وذلك لـ”منع تهريب النفط من البئر".
وأحالت الحادثة إلى الصراع الدائر على منابع النفط العراقي في شمال البلاد ومحاولة استغلالها من قبل ميليشيات وحتى أحزاب سياسية في ظلّ حالة الفوضى التي مازالت تحكم الكثير منها قياسا بمنابع النفط في الجنوب.
وتواترت خلال الفترة الأخيرة التقارير المحلية والدولية بشأن عمليات تهريب ضخمة للنفط بشمال العراق على شكل خام وحتى مشتقات نحو وجهتين رئيسيتين هما إيران وتركيا اللتان توظّفان قوى محلية وتسهلان لها عملية التهريب التي تتيح للدولتين الحصول على نفط رخيص الثمن.
وتحوّل موضوع النفط خلال الفترة الأخيرة إلى مدار رئيسي للصراع بين الحكومة الاتحادية العراقية وسلطات إقليم كردستان العراق المستاءة بشدّة من وقف تصدير الخام المنتج في الإقليم ومناطق قريبة من أراضيه نحو تركيا عبر خط الأنابيب كركوك – جيهان.
وكان النفط يدرّ أرباحا وفيرة على القوى والشخصيات الحاكمة في الإقليم. وتقول المصادر إن تلك الأرباح قد تكون تقلّصت لكنّها لم تنقطع بفضل تواصل نشاط التهريب الذي تشارك فيه قوى نافذة بما في ذلك الميليشيات المسلّحة.
ورأت جهات عراقية أن حادثة كرميان تلفت النظر إلى الطرفين الرئيسيين في الصراع على استغلال النفط خارج نطاق الدولة، وهما الميليشيات المسلّحة من جهة وأبرز الأحزاب والقوى السياسية الكردية من جهة أخرى.
وأيّد مصدر عراقي هذا الطرح قائلا إنّ اقتحام الحشد الشعبي لناحية كولاجو جاء تجسيدا لسباق على السيطرة على منبع نفط اكتشف حديثا في تلك الناحية ولم يدخل بعد طور الإنتاج والتهريب.
وسارعت قوى كردية إلى التعبير عن إدانتها لتحرّك الحشد الشعبي في كرميان. ونقلت وسائل إعلام محلية عن ضابط في اللواء الخامس في قوات مشاة البيشمركة قوله إنّ “الحشد يهدف إلى الاستيلاء على بلدة كولاجو وآبار النفط".
وأوضح العقيد بختيار لموقع “كردستان أربعة وعشرون” أن وزارة البيشمركة تواصلت بهذا الشأن مع بغداد التي أوضحت من جانبها أن مسلحي الحشد سيغادرون المنطقة خلال ساعات.
وأضاف متوعّدا “إذا كانت هذه القوة وأي قوة أخرى تنوي احتلال أراضي إقليم كردستان، فلن نساوم حتى على قطعة صغيرة من أرضنا، وسنضحي بدمائنا وأرواحنا لحماية الإقليم".
ونقل الموقع ذاته عن مصدر ثان لم يسمّه القول إنّ “القوة التابعة للحشد، والتي استُخدمت في اقتحام كولاجو، تألفت من ثلاثة آلاف مقاتل ومئتي مدرعة وعربة عسكرية".
وأكّد المصدر أنّ قوات الحشد أنشأت نقاطا عسكرية قرب مصدر النفط في كولاجو وعززت تواجدها في المنطقة، متوقّعا أن تقدم الميليشيات على “خطوات أخرى نحو الاستيلاء على المناطق الحدودية (بين مناطق إقليم كردستان والمناطق التابعة للسلطة الاتّحادية) في حال عدم قطع الطريق أمامها”.
وانطوى تحرّك الحشد الشعبي صوب كولاجو على محذورِ وضعِ القوات العراقية التي ينتمي إليها الحشد صوريا في مواجهة قوات البيشمركة الكردية التي تتولى تأمين المنطقة في إطار توافق بين السلطة الاتحادية وسلطة الإقليم على الرغم من عدم وقوعها ضمن أراضي إقليم كردستان العراق.
وكانت أبرز مواجهة جمعت الطرفين قد جرت قبل نحو سبع سنوات عندما قامت القوات الاتحادية بطرد قوات البيشمركة من محافظة كركوك المتنازع عليها، وذلك إثر قيام سلطات إقليم كردستان بتنظيم استفتاء على استقلال الإقليم عن الدولة العراقية.
ونقلت وسائل إعلام محلية عن مصدر قريب من حكومة الإقليم قوله إنّ انتشار القوة التابعة للحشد في كولاجو كان مفاجئا واضطرّ البيشمركة إلى “الاندفاع صوب تلك القوة لكن دون حدوث أي تصادم مباشر وسط اتصالات مكثفة بين السليمانية وبغداد للوقوف على أسباب الانتشار في منطقة متفق عليها منذ سنوات طويلة بأنها ضمن قواطع البيشمركة".
وأشار المصدر ذاته إلى أن “الانتشار في منطقة تضم بئرا نفطية ربما جاء بهدف تأمينها من قبل بغداد في انتظار استثمارها أو تطويرها، لكن القرار لم يتخذ بالتنسيق مع السليمانية وهذا الأمر ولّد حالة ترقب بانتظار لما ستسفر عنه الساعات المقبلة”.
واستبعد مصدر ثان أن يكون تحرّك الحشد قد جاء بالتنسيق مع قيادة القوات المسلّحة العراقية، في إشارة إلى أنّ قرار السيطرة على المنبع النفطي جاء بشكل انفرادي من أحد الفصائل المشكلة للحشد ولحسابها الخاص.
ووصف مصدر في حزب الاتّحاد الوطني الكردستاني الذي تقع المنطقة التي دخلها الحشد تحت سيطرة قوات البيشمركة التابعة له “قدوم قوة من الحشد الشعبي إلى حدود مناطق كرميان”، بأنّه “خرق للحدود تمّ دون علم القوات الأمنية الرسمية".
وأضاف “لن نسمح مطلقا لتلك القوة من الحشد بالتمركز والبقاء وطالبنا الحكومة المركزية بالإيعاز لتلك القوة بالانسحاب فورا، لأن تواجدها خرق لا يمكن القبول به".
ولم تصدر مواقف رسمية عن الحزبين الكبيرين والغريمين المتنافسين على السلطة في إقليم كردستان العراق، الحزب الديمقراطي الكردستاني وحزب الاتّحاد الوطني، بشأن عملية الحشد في كرميان، لكنّ القضية سرعان ما دخلت مضمار المزايدة الإعلامية في ظل الأجواء المتوتّرة بين الطرفين مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية في الإقليم التي يتنافس فيها الحزبان بشكل رئيسي، وأيضا في ظلّ الأجواء المشحونة التي خلقها فوز الاتّحاد بمنصب محافظ كركوك ضدّ رغبة غريمه الديمقراطي وبمساعدة قوى عراقية، لاسيما ميليشيا عصائب أهل الحق التي تمثّل طرفا قويا داخل الحشد الشعبي، وضمن الحكومة العراقية التي يقودها رئيس الوزراء محمّد شياع السوداني.
ووجّهت جهات مقرّبة من الحزب الديمقراطي اتّهامات مباشرة لقيادة الاتّحاد الوطني بالتواطؤ مع ميليشيات الحشد في اقتحام الأخير لناحية كولاجو.وتحدّث محمد إحسان، الوزير السابق في حكومة كردستان العراق، عن اتّفاق مبرم بين الاتحاد الوطني والحشد الشعبي يشمل “النفط والاقتصاد وتدمير الوضع في كردستان تبعا للمصالح الخاصة بالطرفين”، مؤكدا أنّ “الاتفاق بين الجانبين أُبرِم على أعلى مستوى من القيادات".
وقال في تصريحات إعلامية “كلما اقترب موعد الانتخابات زاد العنف الممارس من الجانبين”، مضيفا “إذا نظرنا إلى منطقة كفري وكرميان حيث يوجد النفط، نجد الاتحاد الوطني والحشد الشعبي يصنعان السيناريوهات”. ووصف الحشد الشعبي بأنّه “قوة سائبة خرجت عن السيطرة".
كما تناقلت وسائل إعلام تابعة للحزب الديمقراطي ما قالت إنّه “معلومات حصلت عليها من مصدرٍ أمني”، تظهر توجيه قيادة حزب الاتحاد الوطني “آمر لواء المشاة الخامس التابع لقوات البيشمركة بعدم التعرض للحشد الشعبي (خلال اقتحامه منطقة كولاجو) بسبب توصل الحزب إلى اتفاقٍ مع الحشد”.
المصدر: صحيفة العرب