استفتاء العراقيين هاتفياً بشأن الوجود الأميركي: ضغط أم مناورة؟

2024-01-09 11:11:19

عربية:Draw

تلقى نحو 20 مليون عراقي، أخيراً، رسائل نصية على هواتفهم من الحكومة تدعوهم للإجابة عن سؤال بشأن رأيهم في انسحاب قوات التحالف الدولي من العراق، في خطوة أثارت جدلاً سياسياً وشعبياً واسعاً، خصوصاً أن جميع المواقف الحكومية السابقة، كانت تعتبر أن لا مجال للرأي السياسي في هذه المسألة، إذ إنها من اختصاص الجهات العسكرية العراقية، والتي تعرف مدى قدرات واحتياجات العراق.

وتأتي الخطوة بعد إعلان رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، الجمعة الماضي، أنه "بصدد تحديد موعد بدء الحوار (مع واشنطن) لترتيبات إنهاء هذا الوجود"، في إشارة إلى التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة في العراق وسورية، منذ سبتمبر/ أيلول 2014 لقتال تنظيم "داعش".

مسح بإشراف الحكومة العراقية

السؤال الذي أرسل من هاتف التواصل الحكومي الرسمي إلى المواطنين، جاء على النحو التالي: "عزيزي المواطن... هل أنت مع استمرار مهمة التحالف الدولي في العراق؟"، فيما أُرفق برابط لإرسال الإجابة بـ"نعم" أو "لا"، ينتقل بالمشاركين إلى بوابة "أور" الإلكترونية للخدمات الحكومية في العراق، ما يؤكد مجدداً أن المسح تُشرف عليه الحكومة.

ووفقاً لمصدر حكومي عراقي في بغداد، فإن الرسالة وُجهت لنحو 20 مليون اشتراك هاتفي على شركات الهاتف المحمول العاملة في البلاد، بما فيها بإقليم كردستان شمالي العراق.

ولفت المصدر إلى أن الرسالة جاءت ضمن توجه حكومي جديد يهدف إلى مسح الرأي العام (للتعرف إلى آراء أفراد المجتمع) حول القرارات المصيرية التي تتعلق بالعراق ككل"، معتذراً عن الإجابة عما إذا كانت الحكومة ستعتمد نتائج هذا المسح في اتخاذ قرارها أم لا.

وأضاف أنه أمر سابق لأوانه "وما زال المركز الفني المختص يفرز إجابات المواطنين".

لا مبررات لبقاء التحالف العسكري في العراق

وبحسب ما قال السوداني، خلال كلمة ألقاها بعد يوم واحد من اغتيال الجيش الأميركي المسؤول العسكري في "حركة النجباء"، حليف طهران في العراق، مشتاق طالب السعيدي المعروف بـ"أبو تقوى"، بغارة استهدفته الخميس الماضي شرقي بغداد، فإن "مبررات وجود التحالف الدولي في العراق انتهت".

وهو تأكيد منه على عدم حاجة القوات العراقية لمساعدة في مواجهة بقايا تنظيم "داعش"، والذي تنفذ عناصره بين وقت وآخر اعتداءات يصفها مسؤولون عراقيون بأنها محدودة ومُسيطر عليها.

عملياً فإن العنوان الرسمي لوجود نحو 2500 عسكري أميركي في العراق يتركزون في الأنبار وأربيل وبغداد، هو الدور الاستشاري، من دون وجود لقوات قتالية، لكن التطورات التي شهدها العراق، خصوصاً بعد عملية "طوفان الأقصى" التي شنتها حركة "حماس" في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وقرار الفصائل العراقية المسلحة إنهاء هدنتها السابقة ضد الوجود الأميركي، رداً على الدعم الأميركي لإسرائيل، كشف عن قدرات قتالية لدى القوات الأميركية العاملة في العراق.

ومن بين هذه القدرات الطائرات المسيّرة ومروحيات الأباتشي الهجومية، والمدافع التي ردت بأكثر من مرة على مصادر إطلاق الصواريخ والمسيّرات من قبل الفصائل العراقية، ضد قاعدتَي "عين الأسد" في الأنبار، و"حرير" شمالي أربيل.

التمهيد لإنهاء وجود التحالف الدولي في العراق بدأ في 2020

البرلمان العراقي سبق أن صوّت، في 5 يناير/ كانون الثاني 2020، لصالح قرار إخراج كافة القوات الأجنبية من البلاد، بعد يومين من قتل الولايات المتحدة، قائد "فيلق القدس" في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، والقيادي بـ"الحشد الشعبي" أبو مهدي المهندس، بغارة جوية غربي بغداد.

لكن واشنطن شككت بقرار البرلمان، على لسان وزير الدفاع مارك إسبر حينها، والذي قال إن "جلسة التصويت لم يشارك فيها أيّ نائب كردي، ولم يشارك فيها السواد الأعظم من النواب السنّة، والكثير من النوّاب الشيعة شاركوا تحت التهديد". وأضاف أن "العراقيين لا يريدوننا أن نغادر.

 

هم يعلمون أن الولايات المتحدة موجودة لمساعدتهم على أن يصبحوا دولة سيّدة ومستقلة ومزدهرة. هذه ليست نوايا إيران. إيران تريد السيطرة على العراق وجعله دولة تابعة".

وعاد العراق مجدداً خلال حكومة مصطفى الكاظمي لإقرار اتفاقية جديدة مع إدارة الرئيس جو بايدن نهاية تموز/ يوليو 2021، تُنظم عمل القوات الأميركية الموجودة في العراق تحت مظلة التحالف الدولي، بإعلان انتقالها من الصفة القتالية إلى الاستشارية والتدريب، وتحديد مواقع وجودها وعديدهم".

يأتي ذلك من دون التطرق إلى قرار البرلمان الذي ظل ضمن خانة التجاذبات والتصريحات من قبل القوى السياسية والمسلحة الحليفة لطهران، والتي تعتبر الداعم الأول لخروج القوات الأجنبية، بما فيها بعثة "حلف شمال الأطلسي" (ناتو)، والتي لا يتجاوز عديدها في العراق الـ700 عسكري من دول التحالف.

تفاوت في استجابة المواطنين لاستفتاء الحكومة

واختلفت ردود أفعال الشارع العراقي بالمجمل، ليس بشأن السؤال الموجه للمواطنين، بل بسبب إرسال مثل تلك الرسائل، التي أرسلت من حساب باسم "GSCOM" التابع لأمانة مجلس الوزراء العراقي، بين من اعتبرها محاولة من الحكومة لاعتبار أي قرار ستتخذه على أنه "قرار الشعب"، وآخرين رأوا أنها محاولة لإفلات السوداني من الضغوط التي يتعرض لها بشأن الوجود العسكري الأجنبي، سواء من واشنطن أو من طهران والفصائل المسلحة.

في موازاة ذلك فإن جزءا آخر رفض التعاطي مع الإجابة عن السؤال أساساً، خوفاً من تسريب بياناتهم، معتبرين أنه من الأفضل إهمال الرسالة.

الخبير بالشأن السياسي العراقي، زيد عبد الوهاب، رأى على منصة "إكس" أول من أمس الأحد، أن "قرار بقاء أو مغادرة قوات التحالف الدولي هو قرار أمني استراتيجي بالدرجة الأساس، يتخذه القادة والمستشارون العسكريون بمعزل عن مزايدات الرأي السياسي".

تخوّف من رد انتقامي من واشنطن

لكن عضواً بارزاً في تحالف "الإطار التنسيقي" الحاكم، اعتبر أن خطوة الرسائل ستعقبها خطوات أخرى، مثل إقامة ندوات وورش سياسية ومؤتمرات للنخب العراقية المعنية.

وأضاف، طالباً عدم الكشف عن هويته، أن "الحكومة العراقية باشرت تشكيل وفد عسكري وأمني ودبلوماسي لإبلاغ الأميركيين رغبة العراق بإنهاء الوجود العسكري، لانتفاء الحاجة له".

ولفت إلى أن "مسألة أخذ رأي العراقيين تهدف إلى إكساب الوفد حججا وأوراقا إضافية، إذ إن واشنطن تعتبر أي حديث عن إخراج القوات من العراق، هو رغبة إيرانية وليست عراقية".

وأشار إلى أن "العراق متخوف بالمقابل من إجراءات انتقامية أميركية، في حال صعّد جهود إخراج التحالف الدولي الذي تشكل واشنطن نحو 80 بالمائة من قوامه العسكري في العراق".

ولفت إلى أن هذه الإجراءات قد يكون "من بينها اقتصادية وحتى عسكرية تتعلق ببرنامج تسليح وصيانة طائرات الـ أف 16 والمروحيات ودبابات البرامز والمدرعات، وكلها ستتحول إلى كومة حديد لا فائدة منها في حال قررت واشنطن وقف تزويدها بالذخيرة وقطع الغيار".

ورأى أن "العراق يريد خروج تلك القوات من دون أي أثر سلبي أو انتقامي يترتب منها". وكشف عضو "الإطار التنسيقي" أن "القرار صدر بالإجماع من كل قوى الإطار لتحرك حكومة السوداني" وفي حين قال إن "الأكراد يرفضون الفكرة، ويتمسكون بوجود قوات التحالف في إقليم كردستان"، وأوضح أن  الأحزاب العربية السنية "تتبنى موقفاً أمام الإطار التنسيقي وآخر أمام السفراء الغربيين". وبالتالي قال إن "المسألة معقدة جداً، لا على مستوى جهود إقناع الأميركيين بالمغادرة فحسب، بل على مستوى البيت الداخلي العراقي أيضاً".

إلى ذلك نشرت وكالة "بغداد اليوم" الإخبارية المحلية، أول من أمس، تحليلاً من ثلاثة سيناريوهات لخطوة الحكومة الأخيرة. وذكرت أن "الاستطلاع ربما لا يهدف إلى العمل وفق النتائج أو التعرف إلى رغبة الرأي العام والعمل بموجبها، وإنما ربما يكون محاولة لإضفاء الديمقراطية على قرار إخراج وإنهاء تواجد التحالف الدولي في العراق".

وبالتالي ليكون الاستطلاع "ورقة قوية تُطرح أمام الجانب الأميركي وعدم الظهور أمام العالم بأن القرار الحكومي كان مرهوناً برغبة فئة سياسية واحدة".

وأضافت أن "المبرر أو الهدف الآخر للاستطلاع، ربما يكون رسالة للداخل العراقي، بأن الحكومة لا تعمل على الانفراد بالرأي، أو تقوم بترجيح كفة على أخرى".

أما القراءة الثالثة، "فهي أن قراراً مثل هذا، والذي ربما سيترتب عليه الكثير من الآثار السياسية والأمنية والاقتصادية، تريد الحكومة أن تبرئ ذمتها من اتخاذه وتحميل المواطنين تبعاته"، وذلك بأن "تجعل الجميع مشاركاً باتخاذ هذا القرار وتحمل النتائج".

المصدر: العربي الجديد

بابه‌تی په‌یوه‌ندیدار
مافی به‌رهه‌مه‌كان پارێزراوه‌ بۆ دره‌و
Developed by Smarthand