حرب غزة تدخل السفيرة الأميركية ببغداد في صمت وتحد من تحركاتها
2023-10-23 06:59:05
عربية:Draw
على غير عادتها في متابعة الشؤون اليومية للعلاقات الأميركية ـ العراقية، لم تتمكن السفيرة الأميركية في بغداد، ألينا رومانسكي، من زيارة أي مسؤول عراقي أو كتابة تغريدة ذات علاقة، منذ اندلاع حرب غزة بين إسرائيل و«حماس» قبل أسبوعين وحتى اليوم.
رومانسكي، التي منحت نفسها دوراً بدا أكبر من كل الأدوار التي لعبها السفراء الأميركان الذين توالوا على تمثيل بلادهم في بغداد بعد عام 2003، لا تكف عن التذكير بما تسميه دائماً "الشراكة الاستراتيجية مع بغداد".
ليس هذا فقط، ففي الوقت الذي توقف فيه إطلاق الصواريخ أو المسيّرات إلى الأهداف الأميركية في العراق، عقب تشكيل الحكومة الحالية في مثل هذا الشهر من العام الماضي، فإن بغداد تروم بدء مرحلة جديدة من العلاقات مع أميركا بعد الدعوة التي تلقاها رئيس الوزراء محمد شياع السوداني من الرئيس جو بايدن لزيارة واشنطن نهاية العام الحالي.
الهدوء التام على ما كان قبل تشكيل الحكومة الحالية، بدا كأنه يؤسس لنمط جديد من التعامل مع الأميركان، جوهره ترك الحكومة تحدد نوع العلاقة، بما في ذلك الإقرار بما تقوله عن أنه «لا توجد قوات قتالية أجنبية في العراق»، وأن «العراق ليس بحاجة إلى قوات قتالية» مثلما أعلن ذلك غير مرة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني.
وفي حين بدا ذلك مؤشراً على استمرار قدرة الحكومة على التعامل مع الولايات المتحدة الأميركية من جهة، والتحالف الدولي من جهة ثانية بما لا يخل بمبادئ السيادة الوطنية، فإن صمت زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر حيال ما تقوم به الحكومة والقوى الداعمة لها «الإطار التنسيقي»، وهو الكتلة البرلمانية الشيعية الأكبر في البرلمان، أو «ائتلاف إدارة الدولة»، المُكوَّن من الشيعة والسنة والكرد، ساعد كثيراً على الدفع بالإجراءات الحكومية في الداخل والخارج بما يمكن أن تترتب عليه نتائج مستقبلية إيجابية.
وعشية السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 لم يكن أحد يتخيل ماذا في أجندة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، أو أجندة ألينا رومانسكي السفيرة الأميركية في بغداد، لكن ما إن حلّ الصباح حتى اختلطت الأجندات كلها مع بعضها، وتناثرت المواعيد والمواقف والتغريدات المحتملة. وعلى الرغم من صمت رومانسكي طوال الأسبوعين الماضيين وحتى الآن، فإن صوت السوداني ارتفع كثيراً وبلغ أقصى مداه في خطابه الغاضب في «قمة القاهرة» بحضور الأميركان والأوروبيين. فما جرى ويجري في غزة أعاد ترتيب الأولويات على الأصعدة والمستويات كلها، إن كان على مستوى العراق أو المنطقة والعالم.
لكن عراقياً، حيث تبدو الأوضاع مختلطة بين رضا أو قبول نسبي بأداء الحكومة حيال ملف التعاون مع الأميركان من قبل خصومهم، في العراق «الفصائل والجماعات المسلحة الموالية لإيران»، وبين ما يتعين على الحكومة القيام به من إجراءات لضبط إيقاع علاقة تسير على حبل مشدود حتى قطعته صواريخ غزة التي انهالت على غلاف غزة. اختل كل شيء واختلف بدءاً من المظاهرات الكبرى التي دعا إليها خصم الحكومة وزعيم أكبر تيار جماهيري، مقتدى الصدر، وانتهاءً بالدعوات إلى التجمع والاعتصام عند الحدود القريبة من إسرائيل، وكيفية إيصال المساعدات. اختلال التوازن هذا مع تصاعد حدة العواطف لدى الجميع أدّيا إلى انهيار الهدنة بين الفصائل والأميركان، التي رعتها الحكومة على أن تستكمل كل الإجراءات المتعلقة بترتيب العلاقة من جديد.
وكان الصمت شاملاً طوال سنة كاملة من عُمر الحكومة حتى على صعيد مطالبات باتت تقليدية مثل المطالبة بمحاكمة المتسببين بمقتل قائد «فيلق القدس» في «الحرس الثوري» الإيراني، قاسم سليماني، ونائب رئيس «هيئة الحشد الشعبي» أبو مهدي المهندس، أو تنفيذ قرار البرلمان العراقي بانسحاب القوات الأجنبية الذي صدر في السادس من شهر يناير (كانون الثاني) بعد مقتلهما بغارة أميركية على مطار بغداد في الثالث من الشهر نفسه.
وفي وقت بدأ فيه الجميع حساب مواقفهم وتصريحاتهم وسط دك غزة بالصواريخ، جاءت المفاجأة غير المتوقعة من رئيس الوزراء الأسبق عادل عبد المهدي. عندما دعا في بيان له حكومة محمد شياع السوداني إلى تنفيذ قرار البرلمان بانسحاب القوات الأميركية من العراق.
وعلى الرغم من أن عبد المهدي نفسه لم يتمكّن من تنفيذ القرار الصادر في نهايات عهده؛ لأنه من الناحية العملية غير ملزم للحكومة، بالإضافة لكونه بياناً وليس تشريعاً، فإنه زاد على مطلبه هذه المرة بأن يشمل الانسحاب حتى «الناتو» الذي يتعاون مع العراق في مجالات وميادين مختلفة تتعدى الجوانب العسكرية.
الحكومة في وضع يجعلها غير قادرة، لا على الرد على دعوة عبد المهدي، ولا ملاحقة مطلقي الصواريخ على الأماكن التي يوجد فيها الأميركان، سواء في قاعدة «عين الأسد» في محافظة الأنبار غرب العراق، أو قاعدة «حرير» في أربيل.
بغداد اكتفت بأن قام وزير الدفاع ثابت العباسي، بزيارة قاعدة «عين الأسد»، دون أن يطلق تصريحاً مثل التي كانت تصدر على شكل بيانات حكومية أو تصريحات لمسؤولين مفادها بأن الجهات المسؤولة سوف تلاحِق مطلقي الصواريخ وتقدمهم إلى العدالة.
الأمر اختلف الآن، حيث إن مطلقي الصواريخ باتوا يتبنون علناً استهداف هذه القواعد؛ تضامناً مع غزة، في حين يعلن رئيس الوزراء محمد شياع السوداني موقفاً هو أكثر المواقف جرأة على صعيد الموقف مما يجري في غزة من دمار وخراب على يد نتنياهو.
وبينما لا تزال الفصائل المسلحة لم «تتحرش» بعد بالسفارة الأميركية في بغداد ربما مجاملة للحكومة أو لاعتبارات أخرى، فإن مهمات معقدة جداً تنتظر السفيرة رومانسكي في إعادة ترميم العلاقة العراقية ـ الأميركية من جديد، التي أعادتها حرب غزة إلى ما قبل المربع الأول.
الشرق الاوسط