إلغاء زيارة رئيس مجلس القضاء العراقي الأعلى إلى واشنطن بسبب ولائه لإيران
2023-10-10 21:59:07
عربية:Draw
سلّطت أنباء متداولة بشأن إلغاء لقاءات كان من المقرّر أن يجريها رئيس المجلس الأعلى للقضاء في العراق مع مسؤولين في وزارة العدل الأميركية، الضوء على مدى ارتباط القضاء العراقي بإيران إلى درجة تدخلّها في تعيين كبار مسؤوليه وتوجيه عملهم بعيدا عن المساس بأيّ من حلفائها في البلد من سياسيين وقادة ميليشيات.
ونقل الموقع الإلكتروني لشبكة فوكس نيوز الأميركية عن متحدّث باسم رئيس المجلس فائق زيدان قوله إنّه تمّ تأجيل زيارة زيدان إلى واشنطن “بسبب ظروف الحرب الحالية” الدائرة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية.
غير أنّ مصدرا مطلّعا نقلت عنه الشبكة قال إنّ “زيدان لن يجتمع مع أيّ من مسؤولي وزارة العدل الأميركية”، ما يعني أن الزيارة ليست مؤجلة بل هي في حكم الملغاة.
وكان زيدان مدعوا بالفعل لزيارة الولايات المتحدة بحسب متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية قال إنّ “وزارة العدل ستستضيف رئيس مجلس القضاء الأعلى العراقي لذلك نلجأ إلى وزارة العدل لمناقشة الاجتماعات. ونتعامل مع مجموعة واسعة من نظرائنا في العراق، ونحن نقدّر إشراك القضاء العراقي. وتجتمع وزارة العدل بانتظام مع القادة القضائيين الأجانب”.
لكن ما أربك الدعوة الموجّهة لزيدان هو إثارة بعض الجهات الأميركية لقضية مذكرة الاعتقال التي أصدرها مجلس القضاء الأعلى في العراق ضدّ الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب على خلفية مقتل قاسم سليماني قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، ومعاونه العراقي أبومهدي المهندس بضربة جوية أميركية قرب مطار بغداد سنة 2022.
ونُظر إلى المذكّرة باعتبارها دليلا قاطعا على مدى ارتباط الهيئة القضائية العراقية بإيران وخضوعها للميليشيات التابعة للحرس الثوري.
وتأكّد المعطى في تصريحات لزيدان إثر اجتماع عقده في وقت سابق من العام الجاري مع الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي قال فيها “إنّ أحد أهم الأمثلة على التعاون القضائي بين البلدين الجارين والشقيقين هي محاكمة كل من شارك في الجريمة الإرهابية المتمثلة في استهدف قادة مكافحة الإرهاب”، في إشارة إلى سليماني والمهندس.
وقال ريتشارد غولدبرغ أحد كبار مستشاري مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات ومقرها واشنطن "يجب على وزارة العدل التركيز على حماية الأميركيين المستهدفين بمؤامرات الاغتيالات والاختطاف التي يقوم بها الحرس الثوري الإيراني، وليس استضافة رجل الحرس الثوري الإيراني في بغداد”، مضيفا “يريد زيدان محاكمة الأميركيين بتهمة قتل الإرهابيين. لا ينبغي السماح له بدخول الولايات المتّحدة".وبالنسبة إلى العراقيين فإنّهم يلمسون بالفعل خلل المنظومة القضائية في بلدهم من خلال ظاهرة الإفلات من العقاب التي يستفيد منها الأشخاص على قدر نفوذهم في الدولة وبحسب انتماءاتهم الحزبية، وخصوصا على قدر قربهم من إيران.
وأصبح سقوط مؤسسة القضاء في لعبة الولاءات السياسية والطائفية، بنظر مراقبين، مؤشرا على هشاشة مؤسسات الدولة العراقية مع تخلي القضاء عن دوره في فرض القانون وردع الخارجين عنه بغض النظر عن مكانتهم السياسية والاجتماعية وانتماءاتهم الحزبية والطائفية.
وقال مايكل نايتس زميل معهد واشنطن إنّ “زيدان أصدر أمرا تلو الآخر ضدّ معارضي الميليشيات الإيرانية”. وأضاف متحدّثا لفوكس نيوز “بعد الغزو الأميركي للعراق عام 2003 وقف كلّ من سليماني والمهندس وراء نقل زيدان عبر مواقع النظام القضائي. وكان يدير محاكم مكافحة الإرهاب حتى لا تتم محاكمة أيّ من أصدقاء إيران بموجب القانون العراقي".
وأشار إلى افتقار القضاء العراقي إلى المعايير الحديثة موضحا أنّ “فائق زيدان وهو قاض في المحكمة العليا يمكنه تعيين وإقالة قضاة آخرين.. لدى العراق قاض أوحد في المحكمة العليا. وهو قوي وغير منتخب ونصّبته إيران وليس لمهمته مدة محددة".
وينظر أغلب العراقيين للقضاء باعتباره مظلّة لحماية كبار الفاسدين الذين يختلط لديهم النفوذ المالي بالنفوذ السياسي وحتى بامتلاك السلاح، ليغدو بمثابة جدار وسدّ أمام محاولات الإصلاح والتغيير ومحاسبة الفاسدين الممسكين بمفاصل الدولة وتحييدهم عن المواقع الخطيرة التي يحتلونها. ويضربون على ذلك مثالا عمليا بحالة رئيس الوزراء العراقي الأسبق نوري المالكي الذي يسود شبه إجماع في البلاد حول تحميله مسؤولية الفساد الكبير الذي تسرّب إلى مؤسسات الدولة طيلة فترتي حكمه وأفضى بها إلى حالة من شبه الانهيار، بينما تظهر بعض الأرقام وصول ما ابتلعه الفساد في عهده إلى نحو 1.5 تريليون دولار من عوائد النفط.
ومع ذلك لم يستطع أحد الاقتراب منه وتجسيد المطلب الصريح الجماهيري بمحاسبته خلال موجات الاحتجاج والمظاهرات العارمة التي شهدها العراق.
ويعزى الأمر إلى شبكة العلاقات الوطيدة التي نسجها المالكي مع كبار رموز المؤسسة القضائية العراقية، فضلا عن ولائه لإيران.
وينطبق الأمر ذاته على قادة سياسيين آخرين، وخصوصا على قادة ميليشيات مرتبطة بالحرس الثوري الإيراني سبق لها أن ارتكبت جرائم موثّقة ضدّ المدنيين سواء في الحرب ضد تنظيم داعش التي شهدها العراق خلال سنوات سابقة، أو خلال موجة الاحتجاجات التي شهدتها عدة مناطق عراقية في إطار ما بات يعرف بانتفاضة أكتوبر 2019 والتي انخرطت الميليشيات في قمعها بعنف بالغ أدى إلى مقتل وجرح المئات من المتظاهرين.
وتوالت بعد ذلك المطالبات بإنصاف الضحايا ومعاقبة جلاديهم، لكن أحدا من قادة الميليشيات وعناصرها لم يمثل أمام القضاء بسبب نفوذ الفصائل المسلّحة وارتباطها بإيران.
ويقول عراقيون إنّ كثيرا من مسؤولي الجهاز القضائي في العراق انخرطوا في لعبة تبادل الخدمات مع السياسيين وقادة الميليشيات، وإنّ ظاهرة “التخادم” وصلت حدّ تورط قضاة في تزوير إدارة الناخبين والتغطية على عمليات تزوير واسعة النطاق شابت عدة دورات انتخابية منعا لأيّ تغييرات قد تفرزها الصناديق وتأتي بمسؤولين خارج السيطرة.