الانتخابات المحلية في العراق تحت رحمة المال السياسي والولاءات
2023-08-12 13:59:25
عربية:Draw
بدأت الماكينة الحزبية في العراق بالتحرك استعدادا لانتخابات مجالس المحافظات، التي لم يعد يفصل عنها سوى أشهر قليلة، وإن كان الكثير من العراقيين يرون أن الأمور ستكون محسومة سلفا في ظل سطوة المال والولاء السياسي.
وتشكل هذه الانتخابات المقرر إجراؤها في الثامن عشر من ديسمبر المقبل أهمية استثنائية، حيث أنها ستحدد القوى المتحكمة في الحكومات المحلية خلال السنوات العشر المقبلة، وهو ما يفسر الانطلاقة المبكرة للحملة الانتخابية. ولطالما لعب المال السياسي دورا رئيسيا في الانتخابات العراقية، كما هو الشأن بالنسبة إلى الولاءات ذات الطبيعة السياسية ولاسيما الأيديولوجية.
وليس من الواضح أن الحكومة العراقية أو المفوضية العليا المستقلة للانتخابات تمتلكان الكثير لفعله لمواجهة آفة المال السياسي، لكون من تقف خلفه هي القوى المتنفذة عينها المتحكمة في المشهد الحالي.
ويقول سياسيون ومراقبون عراقيون إنه من المنتظر تسجيل تغير كبير في خارطة الهيمنة السياسية في بعض المحافظات، على غرار محافظة الأنبار، حيث المنافسة على أشدها بين تحالف السيادة السني، وقوى سياسية جديدة تطمح للهيمنة على الحكومة المحلية.
ويشير هؤلاء إلى أن هذه القوى المشكلة حديثا تدرك أن السيطرة على الأنبار ستفتح لها المجال للتمدد في باقي المحافظات ذات الغالبية السنية، وبالتالي ستكون البديل المطروح للتحالف السني المهيمن حاليا على المشهد والذي يقوده رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي. ويرى المراقبون أن الوضع في المحافظات ذات الغالبية الشيعية قد يشهد صعود بعض القوى، على حساب ائتلاف دولة القانون الذي يتزعمه نوري المالكي، هذا إن حسم التيار الصدري قراره بعدم المشاركة في الاستحقاق، وهو ما يبدو الأرجح.
ويلفت المراقبون إلى أنه من غير المرجح رؤية تغييرات كبيرة في محافظات أخرى على غرار صلاح الدين، على الرغم من كون قوى الإطار التنسيقي تتطلع إلى تعزيز حضورها في المحافظة الواقعة شمال وسط العراق.
ويمثل المكون الشيعي 20 في المئة من التركيبة السكانية في صلاح الدين، وشغل هذا المكون أربعة مقاعد من إجمالي 29 مقعدا في مجلس المحافظة السابق وهي نسبة لا تمكنه من السيطرة على القرار. وقلل حردان الفراجي عضو مجلس صلاح الدين السابق ومرشح كتلة تقدم (تابعة للحلبوسي) من حصول تغيير في الانتخابات المقبلة.وعزا الفراجي أسباب ذلك إلى قانون سانت ليغو المعتمد الذي يتيح للكتل الكبيرة ابتلاع الكتل الصغيرة وإجهاض حظوظ المستقلين وحركات أخرى ناشئة، مشيراً إلى “وجود مال سياسي في عموم الكتل، إلا أن مركز الهيمنة والقرار والاستغلال الوظيفي والحكومي يتسيّده حزب الجماهير في المحافظة الأكثر مالا وهيمنة على مؤسسات المحافظة الخدمية والحكومية".
من جهته اعتبر المحلل السياسي محمد عبدالرحمن أن الخارطة السياسية في صلاح الدين ومجلس المحافظة وانتخاباته لن تتغير بشكل واضح وملموس وستبقى الكتل المهيمنة صاحبة النفوذ تتسيّد المشهد السياسي والإداري في المحافظة.
وأشار عبدالرحمن في تصريحات لوكالة “شفق نيوز” إلى أن “حظوظ حزب الجماهير هي الأكبر في مجلس المحافظة يليها تحالف عزم، بسبب الدعم السياسي والحكومي لتلك القوى من بغداد وعبر نوابها وممثليها في شتى المناصب والحلقات المهمة".
ورجح عبدالرحمن حصول المكون الشيعي على ثلاثة مقاعد في انتخابات مجلس المحافظة وفق الدلائل الميدانية والجغرافية السكانية للمحافظة وحسب إجماع المراقبين والمختصين بالشأن الانتخابي.
وحذر المحلل السياسي العراقي من مشاكل وتأثيرات سلبية ستواجه القوى المتنافسة في الانتخابات المحلية وأبرزها العزوف الانتخابي المتوقع بعدما سجلت صلاح الدين نسبة مشاركة لم تتجاوز 25 في المئة في الانتخابات النيابية الماضية، متوقعا أن تتخطى نسبة المشاركة في الانتخابات المحلية القادمة تلك المسجلة في الانتخابات النيابية وبشكل طفيف.
وتنسحب القراءة ذاتها على محافظة نينوى الواقعة شمال العراق، حيث رجح مركز “الرصد” للدراسات السياسية والإستراتيجية، الجمعة، عدم حصول تغيير كبير في الخارطة السياسية في المحافظة بناءً على المعطيات الحالية، إلا في حال حصول تغييرات طارئة في المشهد السياسي.
وقال مدير المركز محمد غصوب يونس إن "محافظة نينوى لديها 29 مقعدا، 3 منها كوتا، لذلك القائمة التي تتشكل في نينوى لا تقل عن 52 مرشحا". ورأى يونس أن "محافظة نينوى فقدت غطاءها السياسي منذ تحريرها عام 2017 ولغاية الآن، ومن يتحكم ويهيمن على واقعها السياسي والاقتصادي والاجتماعي والإداري هي كتل سياسية لن تسمح بخسارة هذه المحافظة في الانتخابات المقبلة".
وبحسب معلومات المرصد، فإن هناك أحزاباً دخلت بأكثر من قائمة وخاصة الأحزاب الكبيرة والكتل السياسية الوافدة من خارج محافظة نينوى، وهي ما يمكن تسميتها بـ”الأحزاب الموسمية” التي تظهر في الانتخابات وبعد إعلان النتائج تختفي، وهذه الأحزاب بدأت بفتح مقرات لها في المحافظة واستقطاب المواطنين عبر الإغراءات المادية.
وأشار يونس في تصريحات لـ”شفق نيوز” إلى أن “الأحزاب الكبيرة في محافظة نينوى كوّنت أحزاباً لها في الظل بمسميات مختلفة، بعضها لتشتيت الأصوات والآخر لتضليل المواطنين"، مبينا أن "بعض الكتل السياسية لديها حشود مقاتلة سوف تلزمهم بالتصويت على مرشحيهم فقط دون غيرهم، كما حصل عام 2021".
وهذه أول انتخابات لمجالس المحافظات منذ العام 2013، وكان جرى حل المجالس السابقة في العام 2020 على خلفية حراك شعبي غير مسبوق اتهم هذه المجالس بتكريس الفساد في البلاد.
وبحسب الدستور العراقي، تتولى مجالس المحافظات مهمة اختيار المحافظ ومسؤولي المحافظة التنفيذيين، ويملك هؤلاء صلاحيات الإقالة والتعيين وإقرار خطة المشاريع وفقاً للموازنة المالية المخصصة للمحافظة من الحكومة المركزية في بغداد
المصدر: صحيفة العرب اللندنية