عودة إلى مستقبل أسواق النفط
2023-05-09 21:23:24
عربية:Draw
الأسئلة عن مستقبل أسواق النفط ودور الطاقة المتجددة والسيارات الكهربائية لا تتوقف، على رغم عشرات المقالات والمقابلات التلفزيونية ومساحات "تويتر"، ولكن هذا أمر طبيعي لأن الموضوع يمس حياة كل الأفراد في المجتمع، كما يمس وضع الدول الاقتصادي والسياسي في المنطقة، ولأن الإعلام الغربي لا يتوقف لحظة عن بث المعلومات التي تروج لسياسات التغير المناخي وانتهاء عصر النفط، وتخويف الناس من مستقبل مظلم.
لهذا أعتذر لقرائي الأعزاء الذين يتابعون مقالاتي منذ زمن طويل، لأن بعض الأفكار والمعلومات مكررة، وقبل الغوص في الموضوع لا بد من التأكيد على أن العالم يحتاج إلى كل مصادر الطاقة، وكل دولة تحتاج إلى تنويع مصادر الطاقة، كما أننا نحتاج إلى كل أنواع التقنية التي تعزز من كفاءة استخدام الطاقة، ونحتاج إلى تقنيات مختلفة في قطاع المواصلات، بما في ذلك السيارات الكهربائية.
باختصار، نحن لسنا ضد الطاقة المتجددة، ولسنا ضد السيارات الكهربائية، ولسنا ضد تحسين الكفاءة في الاستخدام، بل على العكس، هذه متطلبات أساسية. نحن ضد المبالغات، وضد تجيير الأرقام سياسياً، وضد التدخل الحكومي الصارخ من خلال سياسات التغير المناخي. باختصار، لا أريد أن يحدد لي سياسي جاهل أو عالم، نوع السيارة التي أركبها، ونوع النافذة التي أركبها في بيتي.
دور الطاقة الشمسية والرياح
الحقيقة الأولى هي أن الطاقة المتجددة تستخدم في توليد الكهرباء، وأن النفط نادراً ما يستخدم في توليد الكهرباء في أوروبا وأميركا الشمالية واليابان وكوريا الشمالية والهند والصين، هذه الدول تمثل أغلبية الطلب العالمي على النفط، فإذا قامت هذه الدول بزيادة استخدام الطاقة المتجددة، فإن ذلك لن يؤثر في الطلب العالمي على النفط.
الطلب الحالي على النفط نحو 100 مليون برميل يومياً فقط، كمية الطلب المستخدمة في توليد الكهرباء بحدود خمسة ملايين برميل يومياً، أغلبها في الدول النامية، بخاصة النفطية منها. بناءً على توقعات بعض المنظمات العالمية، سيتم الاستغناء عن نحو مليون برميل يومياً خلال الـ 25 سنة المقبلة. مرة أخرى، مليون برميل يومياً خلال 25 سنة. في الوقت نفسه سيزيد الطلب على النفط في المجالات الأخرى بأكثر من ذلك بكثير، أما البقية فلا يمكن استبدالها لأسباب اقتصادية وجغرافية.
من جانب آخر، إنتاج عنفات الرياح وأبراجها والألواح الشمسية وقواعدها الخرسانية، يستهلك كمية كبيرة من النفط والغاز، الحقيقة أن هذه التقنيات تتطلب معادن يتم استخراجها من مناجم ضخمة، تستخدم كميات كبيرة من النفط، وعلينا ألا نستغرب إذا كان التوسع في الطاقة المتجددة عالمياً سيزيد الطلب على النفط بدلاً من أن يخفضه.
أي زيادة في الطاقة المتجددة تذهب لمقابلة الطلب المتزايد على الكهرباء من جهة، واستخدامها كبديل عن الفحم والغاز من جهة أخرى، فبعد التخلص من الفحم، يمكن للتوسع في الطاقة المتجددة أن يحد من الطلب على الغاز، ولكن لا بد من وجود الغاز على كل الحالات لتغطية التقطع في إمدادات الكهرباء عندما تتوقف الرياح أو وقت الليل أو سوء الأحول الجوية.
خلاصة القول هنا إن التوسع في الطاقة المتجددة لا يهدد النفط، ولكن قد يهدد إمدادات الغاز في بعض الدول، وهذا لا يعني بالضرورة انخفاض الطلب العالمي على الغاز، بل على العكس يتوقع زيادة مستمرة في الطلب على الغاز لتعدد استعمالاته من جهة، وسهولة نقله والتعامل معه، ولأن فشل بعض سياسات التغير المناخي يعني بالضرورة زيادة الاعتماد على الغاز لأنه الأقل تلوثاً مقارنة بالفحم والنفط.
السيارات الكهربائية
يُتوقع أن يرتفع عدد السيارات الكهربائية خلال العقدين المقبلين ليصبح بمئات الملايين عالمياً، ولكن هناك مبالغات كثيرة في أثرها في الطلب على النفط، لا يمكن ذكرها كلها في مقال واحد. وعلى القارئ أن ينتبه أن الترجمة من الإنجليزية هي "العربات الكهربائية" وهذا يشمل كل شيء يتحرك، وليس بمفهوم السيارة ذات العجلات الأربع ومحرك لا يقل عن أربعة سيلندر. كل عجلة هوائية كهربائية وكل سكوتر، وكل موتورسايكل، وكل عربة ذات ثلاث عجلات تعد سيارة كهربائية ومشمولة في أرقام السيارات الكهربائية.
مشكلة المبالغة بالأثر في الطلب على النفط كبيرة ولها آثار مدمرة لأنها تعني في النهاية انخفاض الاستثمار في النفط والغاز، في وقت يرتفع الطلب عليهما، فتحدث أزمة طاقة خانقة سيموت فيها كثيرون، وستنهار اقتصادات دول بسببها. أدرك أن بعض القراء قد يقول وأنت أيها الكاتب تبالغ هنا، ولكن هذا الأمر سيتغير بعد ذكر بعض الحقائق.
أولى أن جزءاً لا بأس به من عمليات الإحلال والتحول إلى السيارات والحافلات الكهربائية حصل في مناطق في الولايات المتحدة وأوروبا والصين والهند تحولت مسبقاً إلى الغاز المضغوط. إلا أن الشركات الداعمة للسيارات الكهربائية ومتطرفي التغير المناخي يحسبون أنها نفط ويخفضون الطلب على النفط بناء على ذلك، ولكن التخفيض يجب أن يكون للغاز. تجربتي في هذا المجال أن هذا الخطأ "مقصود".
الواقع أن مبيعات السيارات الكهربائية في النرويج وصلت إلى 90 في المئة من إجمالي مبيعات السيارات في البلد. وبلغت نسبة السيارات الكهربائية من إجمالي عدد السيارات في النرويج 20 في المئة. وهنا نأتي إلى الحقيقة الثانية، على رغم هذه التطورات، ارتفع استهلاك البنزين في النرويج في فبراير (شباط) الماضي عما كان عليه في شهر يناير (كانون الثاني)، كما ارتفع عما كان عليه في شهر فبراير من عام 2022. إذاً أين هو أثر السيارات الكهربائية؟
طبعاً سيارات الديزل تستخدم أكثر من البنزين في النرويج بسبب ارتفاع كفاءة محركات الديزل، بخاصة من الناحية البيئية.
فإذا نظرنا إلى استهلاك الوقود (بنزين وديزل) منذ عام 2016 وحتى الآن، نجد أن استهلاك الوقود انخفض، ولكن بشكل لا يتناسب مع استهلاك السيارات الكهربائية. وفقاً لحسابات التقارير التي تروج للسيارات الكهربائية، زيادة أعداد السيارات الكهربائية في النرويج يجب أن تخفض الطلب على الوقود بأربعة أضعاف الانخفاض الفعلي. مثلاً، وهذا مثل فقط، إن أثر السيارات الكهربائية يتمثل في انخفاض الطلب على الوقود بمقدار 20 ألف برميل يومياً، ولكن الأثر الفعلي هو انخفاض خمسة آلاف برميل يومياً فقط، هذه هي المبالغات التي نتكلم عنها.وكما ذكر في مقالات سابقة، فإن هناك ثلاث مشكلات ضخمة تواجه صناع القرار حول العالم. المشكلة الأولى مالية، الضرائب على البنزين والديزل عالية جداً، بخاصة في دول الاتحاد الأوروبي التي تجني مئات المليارات من الدولارات سنوياً. إذا تمت كهربة جزء كبير من قطاع المواصلات، كيف سيعوضون عن هذه الضرائب؟ الجواب جاهز، افرض ضرائب على السيارات الكهربائية. الرد على ذلك، أوقف الإعانات الحالية وستتوقف الصناعة كلها. كما أن فرض ضرائب يعني أن الجدوى الاقتصادية للسيارات الكهربائية التي يتكلمون عنها الآن ستتلاشى تماماً. الآن لنتصور الكارثة المقبلة، في الوقت الذي يدرك فيه الجميع هذه المشكلة، ستكون بعض شركات السيارات قد استثمرت المليارات للتحول لإنتاج سيارات كهربائية.
المشكلة الثانية بيئية. مع وصول أعداد السيارات الكهربائية إلى مئات الملايين، سيبلغ عدد البطاريات التي يجب التخلص منها بالمليارات، هذه البطاريات ضخمة جداً ومتوسط وزنها، من 600 كيلوغرام إلى أكثر من طن، وأغلبها مواد سامة، كيف سيتم التخلص منها؟ ومن سيدفع تكاليف ذلك؟
طبعاً هناك حلول مؤقتة وهو تحويل استخدامها من السيارات إلى إضاءة في الحدائق والطرق حتى ينتهي عمر البطارية تماماً، ثم يعاد تدويرها وتستخدم المعادن الموجودة بداخلها. عمليات التدوير ليست مكلفة فقط، ولكن التقنية ما زالت في بدايتها وتحتاج إلى إعانات حكومية، وليس بمقدورها الحالي أن تتوسع لتشمل أعداد البطاريات الهائلة. ولكن هناك مشكلة أخرى، وهي عزوف المستثمرين عن الاستثمار في هذه التقنية بسبب التغير المستمر في تقنية البطاريات ومحتوياتها.
المشكلة الأخيرة سياسية وتتعلق بالأمن القومي، المعادن المطلوبة لبطاريات السيارات، والتحول الأخضر بشكل عام، موجودة في عدد قليل من الدول، وبعضها ليس على علاقات طيبة مع أوروبا وأميركا، مثل روسيا والصين، والمشكلة الأكبر أن هذه المعادن تحتاج إلى تكرير ومعالجة، واغلب ذلك يتم في الصين.
ولا تستطيع الدول الأوروبية وأميركا التوسع بشكل كبير في إنتاج ومعالجة هذه المعادن لأنها تتطلب مناجم ضخمة مدمرة للبيئة يعارضها نشطاء التغير المناخي.
نعم، في سبيل سياسات التغير المناخي، تعرض الأمن القومي الأوروبي والأميركي للخطر، حماية الأمن القومي تتطلب فتح مناجم ضخمة، وهذه المناجم ستزيد من التغير المناخي.