حكومة السوداني تبدأ تصفية الحسابات مع حكومة الكاظمي
2023-03-05 12:24:10
عربية: Draw
اتخذت التحقيقات حول ما بات يُعرف بـ”سرقة القرن” منحى سياسيا واضحا، عندما أصدرت السلطات القضائية العراقية التي تحقق في القضية أوامر بإلقاء القبض على أربعة من كبار المسؤولين في حكومة مصطفى الكاظمي.
والمسؤولون قيد الملاحقة هم وزير المالية السابق علي عبدالأمير علاوي، ورائد جوحي مدير مكتب رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي، والسكرتير الخاص أحمد نجاتي، والمستشار الإعلامي مشرق عباس.
وكانت رئاسة “محكمة استئناف بغداد الكرخ – محكمة تحقيق الكرخ الثانية” أصدرت مذكرة برقم 426 في 5 – 2 – 2023، قررت فيها حجز الأموال المنقولة وغير المنقولة العائدة إلى المتهمين، بالإضافة إلى شخصين آخرين هما عبدالأمير حسون علي طه، ومحمد حسون علي طه اللذان يعملان بمهنة “كاسب”.
وشغل علي علاوي في حكومة مصطفى الكاظمي منصب نائب رئيس الوزراء بالإضافة إلى منصبه كوزير للمالية قبل أن يقدم استقالته بعد نحو عامين من تسلم المنصب في أغسطس 2022، احتجاجاً على ما قال إنه “فقدان الصلاحية القانونية الكاملة لحكومة تصريف الأعمال”.
والمتهمون المطلوب القبض عليهم موجودون خارج العراق. وما يزال من غير الواضح ما إذا كانت مذكرة إلقاء القبض عليهم سوف تعني السعي إلى مطالبة الدول التي يقيمون فيها بتسليمهم أو ما إذا كانت وكالة الأنتربول سوف تُدعى لملاحقتهم.
ويقول مراقبون إن توجيه الاتهامات إلى هؤلاء المسؤولين، قبل إلقاء القبض على المسؤولين عن الشركات الخمس التي تولت تدبير عمليات السرقة، يعد منعطفا لتصفية حسابات سياسية مع حكومة مصطفى الكاظمي.
والقناعة السائدة في الشارع العراقي تفيد أن كل عمليات السرقة من الأموال العامة يقف وراءها مسؤولون حكوميون أو زعماء ميليشيات أو نواب برلمان. إلا أن الوصول إليهم ظل قريبا من المستحيل بالنظر إلى النفوذ الذي ظلوا يتمتعون به.وفي واحدة من أحدث تصريحاته، أقر رئيس الوزراء محمد شياع السوداني بوجود فئة من المسؤولين والموظفين في البلاد محمية من قبل قوى سياسية. إلا أنه أكد في الوقت نفسه على أن حكومته ليست لديها خطوط حمراء لملاحقة الفساد.
وكانت وثيقة من الهيئة العامة للضرائب كشفت في أكتوبر الماضي أنه تم دفع 2.5 مليار دولار بين سبتمبر 2021 وأغسطس 2022 من طريق 247 صكا صرفتها تلك الشركات. ثم سُحبت الأموال نقدا من حسابات هذه الشركات التي يخضع أصحابها لأوامر توقيف، ولكن لم يُلق القبض إلا على مسؤول واحد منهم. وتم إطلاق سراحه بعد أن تعهد بإعادة حصته من الأموال المسروقة. وعلى الرغم من أن إطلاق سراحه كان مخالفة قانونية، على اعتبار أن الإقرار بالجريمة لا يلغي العقوبة عنها، فإن السوداني برر ذلك بالقول إنه يريد استعادة الأموال المنهوبة، وإنه لا فائدة من اعتقال بضعة أشخاص إذا لم تعد تلك الأموال إلى خزانة الدولة.
ولم تنجح حكومة السوداني في إلقاء القبض على المسؤولين المباشرين في تلك الشركات حتى الآن. ويسود الاعتقاد بأن اعترافاتهم تشكل حجر زاوية في التحقيقات، حول ما إذا كان المسؤولون الأربعة في حكومة الكاظمي قد اشتركوا بالفعل في تدبير الجريمة أو الاستفادة منها، وما إذا كان هناك متورطون آخرون، لاسيما وأن التحقيقات الأولية قد أشارت إلى أن العملية تم تدبيرها من شبكة واسعة من المسؤولين وموظفي الخدمة المدنية ورجال الأعمال.
وقال جمال الأسدي الخبير القانوني العراقي والقاضي المتقاعد المطلع على قضايا الفساد لوكالة أسوشيتد برس “كانت عملية سرقة منظمة للغاية ومتفق عليها”. وتم تنفيذ العملية بسحب الأموال من حسابات الهيئة العامة للضرائب في مصرف الرافدين، التي تشمل ودائع الشركات التي كان من المفترض إعادتها إليها بمجرد خصم الضرائب.وبعد استقالة علاوي، كان القائم بأعمال وزير المالية آنذاك إحسان عبدالجبار الذي شغل أيضا منصب وزير النفط، قد أجرى التدقيق، في هذه الحسابات واكتشف السرقة بعد تلقي شكاوى من شركة نفط لم تتمكن من استعادة ودائعها الضريبية. وعندما استفسر الوزير عن الرصيد المتبقي في الحساب، قالت هيئة الضرائب إن به 2.5 مليار دولار، لكنّ مزيدا من التدقيق كشف أن الرصيد الفعلي تراجع إلى 100 مليون دولار فقط.
وكان علاوي طلب أن يوافق مكتبه على أيّ سحوبات كبيرة، لكن كبار مديري هيئة الضرائب تجاهلوا الطلب. واستقال في أغسطس “احتجاجا على الفساد والتدخل الأجنبي في الشؤون العراقية”.
وأوضحت التحقيقات أنه قبل أسابيع من صرف الشيكات الأولى، أزالت السلطات جزءا رئيسيا من الرقابة، بدعوى أن الشركات اشتكت من فترات الانتظار الطويلة. وتم عزل ديوان الرقابة المالية الاتحادي من عملية المراقبة على السحوبات بناء على طلب النائب هيثم الجبوري، الذي كان يرأس حينها اللجنة المالية البرلمانية.
ووجد التدقيق أن الشركات، التي تم تأسيس ثلاث منها قبل أسابيع فقط من سداد المدفوعات، قدمت مستندات مزوّرة لتتمكن من المطالبة بالدفعات. ولم يتمكن المدققون من متابعة الأموال لأنه تم سحبها نقدا، وجرى تحميلها في شاحنات ضخمة بالنظر إلى أن المبالغ تبلغ نحو 3.7 تريليون دينار.
وهناك ما يبرر الاعتقاد بأن إيران كانت هي الوجهة النهائية لهذه الأموال، وأنها على صلة مباشرة بعمليات التصريف اليومية التي ينظمها المصرف المركزي العراقي. فالدنانير العراقية التي تحصل عليها إيران تتحول إلى دولارات يتم تهريبها إليها في النهاية.
ولم تقدم الحكومة أو السلطات القضائية كشفا تفصيليا للاتهامات ضد المسؤولين الأربعة السابقين في حكومة الكاظمي، كما لم يتم الكشف عن الدائرة الأوسع التي تورطت في تنفيذ السرقة.
ومن المعروف أن هذه العملية ليست هي الأكبر في تاريخ الحكومات التي أقيمت بعد غزو العراق في العام 2003. إذ كشف رئيس الوزراء العراقي السابق عادل عبدالمهدي عن “ضياع” 400 مليار دولار من السجلات الحكومية في عهد حكومة نوري المالكي، كما تم تسجيل عدد من كبريات السرقات الأخرى التي شملت مئات الملايين من الدولارات ولم يتم الكشف ولا ملاحقة المسؤولين عنها حتى الآن.
المصدر: صحيفة العرب