بغداد أولا وأربيل ثانيا بالانتهاكات.. 2022 يزيد أوجاع صحفيي العراق
2023-01-02 18:39:28
عربية:Draw
صلاح حسن بابان
يودّع العراق عام 2022 بتراجع في حرية الصحافة مع اتساع ظاهرة الإفلات من العقاب وعدم جدية الدولة في حماية الصحفيين، فضلا عن زيادة الخروقات واستمرار الانتهاكات، لتأتي حصّة الأسد منهما في بغداد وأربيل- وفقًا لرصد سنوي- بالإضافة إلى السعي لطرح مقترحات مشاريع قوانين تحجم حرية الصحافة والتعبير.وفي عام 2022 وحسب رصد منظمة "مراسلون بلا حدود"، تراجع العراق 9 مراتب إلى الوراء، وجاء بالمرتبة 172 في مؤشر حالة حرية الصحافة في 180 دولة ومنطقة. في وقت كان قد احتل المركز 163 في عام 2021.
بغداد وأربيل
وأصدرت جمعية الدفاع عن حرية الصحافة في العراق -منظمة غير حكومية- رصدا سنويا عن أبرز الانتهاكات التي طالت الصحفيين في عام 2022، موثقة 380 حالة انتهاك صريحة تنافي المادة 38 من الدستور وبأشكال مختلفة، في حين بلغت الانتهاكات 233 حالة في عام 2021، منها 40 في إقليم كردستان.
وجاء الاعتداء بالضرب ومنع وعرقلة التغطية من قبل القوات الأمنية الرسمية، أكثر أنواع الانتهاكات شيوعا، حيث سجلت 254 حالة في عام 2022، و60 حالة اعتقال واحتجاز دون مذكرات قبض، و12 حالة مداهمة وهجوم مسلح لمؤسسات إعلامية ومنازل صحفيين، فضلاً عن 9 دعاوى قضائية رفعت بحق صحفيين ومؤسسات إعلامية، و9 حالات إصابات أثناء التغطية، وحالتي تهديد بالقتل والتصفية الجسدية، و28 حالة تقييد جاءت نتيجة كتب رسمية صادرة من مؤسسات حكومية.
وكان نحو 500 صحفي قد قتلوا في العراق على مدى أقل من عقدين من الزمن بطرق مختلفة، وفقًا لنقابة الصحفيين العراقيين.
إلا أن المثير للجدل، أن تقرير الجمعية رصد تسجيل كردستان "الانتهاكات الأخطر" على مستوى العراق باستمرار سجن صحفيين بتهم "التجسس وتخريب النظام" أو "التآمر على حكومة الإقليم"، إذ جاءت أربيل ثانيا بـ73 انتهاكا بعد بغداد التي شهدت أعلى الانتهاكات بـ80 حالة.
العدو المشاغب
وعن أسباب استمرار انحدار العراق في المؤشرات الدولية بشأن حرية العمل الصحفي والمناطق الآمنة للصحفيين. يُشير رئيس جمعية الدفاع عن حرية الصحافة، الصحفي مصطفى ناصر إلى أبرزها وهي تفويض الأجهزة الأمنية للتعامل بقسوة مع الصحفيين في كل موقع وظرف يوجد فيه الاثنان معا.
والسبب في ذلك وفقًا لناصر، أن العناصر الأمنية تنظر إلى الصحفي "عدوا مشاغبا وخطيرا" على الأمن القومي، لا سيما أن بعضهم يتلقى توجيهات بضرورة منع وجود الصحفيين خصوصا في الاحتجاجات والتجمعات والوقفات الشعبية، مؤكدا أن "الأجهزة الأمنية شكلت الجزء الأكبر من الانتهاكات ضد الصحفيين، وسط عدم اكتراث واضح من السلطات والقائد العام للقوات المسلحة".
ومن الأسباب الأخرى أيضا، إصرار الكتل السياسية على استخدام التشريعات والقوانين الموروثة من النظام السابق، وعدم تشريع أي قانون يضمن حرية العمل الصحفي أو حذف فقرات القوانين التي يصفها ناصر بـ"الدكتاتورية" المتعارضة مع الدستور.
وفي حديثه للجزيرة نت، وجّه ناصر انتقادًا للنقابات في العراق ويصف عملها بـ"عدم النضوج"، ويكشف عن تداخل السلطات في أجندة وأداء النقابات "حتى أصبحت الدولة تمول نقابة الصحفيين، وهذا لا يتماشى مع الديمقراطيات المحترمة، ويؤشر تخادما أجندات انتهاكات في كردستان
وبالانتقال إلى إقليم كردستان الذي يتعرّض إلى انتقادات دولية وداخلية لانتهاكات وتراجع حرية الصحافة فيه على الرغم من أنه يتمتع بقوانين تخدم حرية العمل الصحفي كقانون حق الحصول على المعلومة. وكان الإقليم سابقا يعد آمنا للصحفيين أثناء اضطراب الأوضاع الأمنية في المحافظات العراقية الأخرى.
وشهد الإقليم 303 انتهاكات في عام 2021 -حسب تقارير سابقة- منها 27 إلقاء قبض بحق الصحفيين، و48 حالة منع من التغطيات، فضلاً عن انتهاكات أخرى تضمنت اعتداءات وضربا وغلق مكاتب للمؤسسات الإعلامية.
يتفق مدير مركز ميترو للدفاع عن حرية الصحافة في كردستان (منظمة غير حكومية) دياري محمد مع تقرير الجمعية فيما يتعلق بتضييق حرية الصحافة في الإقليم وتزايد الانتهاكات فيه، إذ يؤكد نشر نحو 30 تقريرا دوليا ومحليا خلال العامين الماضيين تؤكد تراجع حرية العمل الصحفي في الإقليم وتزايد الخروقات فيه.يا لن يحصل سوى في الأنظمة الدكتاتورية"، على حد قوله.
ظاهرة الإفلات من العقاب إحدى أخطر الظواهر التي يحذّر منها دياري محمد بعد أن شهدت تزايدا خلال السنوات الأخيرة في الإقليم، وهذا ما أتاح المجال لخلق بيئة ملائمة لتكرار الخروقات ضدّ الصحفيين سواء من المواطنين أو من العناصر الأمنية.ويضرب مثالا على الانتهاكات، بقيام أجهزة أمنية باعتقال صحفيين دون أن يكون واجبها القيام بذلك، وبوضع كمائن لهم رغم عدم وجود مذكرات قبض بحقهم، فضلاً عن اعتقال آخرين أثناء المظاهرات وإرغامهم على كتابة تعهد بعدم تغطية الاحتجاجات في المستقبل.
"كل الجهات مسؤولة عن تراجع حرية الصحافة في الإقليم، وعلى حكومة كردستان أن تقوم بواجبها لحماية استقلال القانون، وكذلك السلطة القضائية، والأهم أن يقوم البرلمان على الأقل بمسؤوليته بالدفاع عن القوانين الخاصة بالعمل الصحفي التي صدرت منه"، يقول محمد للجزيرة نت.
رأي مغاير
لكنّ نقيب صحفيي كردستان آزاد حمد أمين يفند التقارير التي تتحدث عن زيادة الانتهاكات في الإقليم ويصفها بـ"المجحفة وغير المنصفة" ويؤكد أن رصد الخروقات لا يمكن أن يتم من خلال "الناظور الليلي"، في إشارة منه إلى تقارير بعض المنظمات والجمعيات التي تصدر بيانات في أوقات معينة لا سيما نهاية كل عام.
أمين أشار إلى وجود لجنة للدفاع عن حقوق الصحفيين تابعة للنقابة تتكون من 60 صحفيا تتابع حالات الانتهاكات ضدّ الصحفيين والدفاع عنهم ومعالجة مشاكلهم. مؤكدًا للجزيرة نت أن البنية القانونية والحياة الصحفية في الإقليم أفضل بكثير من غيرها مع وجود تحديات كبيرة.
خلافا للآراء الأخرى، يتوقع نقيب صحفيي كردستان أن يتجه واقع الصحافة في الإقليم إلى واقع أفضل خلال الأعوام المقبلة، لا سيما فيما يتعلق بملكية وسائل الإعلام مع انطلاق قنوات ومؤسسات مستقلة تمارس عملها ضمن الأطر المهنية وباستقلال كامل
قانون موروث
وعُدّ تفعيل الدعاوى القضائية بحق صحفيين من جهات سياسية، على وفق مواد جرائم النشر ضمن قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 الموروث من النظام السابق قبل عام 2003، بهدف تضييق مساحات حرية العمل الصحفي في مختلف مناطق العراق، أحد أكثر القوانين المثيرة للجدل ووجهت له انتقادات كبيرة.
يصف هذا الأمر عضو مجلس نقابة الصحفيين في العراق هادي جلو مرعي بـ"التخبط"، في محاولة من هذه "الجهات" لممارسة أكبر الضغوط لإرهاب الصحفيين الذين يحاولون كشف ممارستهم للفساد والتجاوزات على المال العام وغيرهما.
برأي مرعي، فإن الانتهاكات في عام 2022 تجاوزت حدود المعقول، وهذا يعني وجود رغبة لدى جهات سياسية في الاستمرار بالتضييق على الصحفيين، لاسيما أن السلطات والجهات التشريعية تبحث دوما عن وسائل مستمرة لتخويف الصحفيين وتهجين وسائل الإعلام وجعلها جزءا من رغبة الفاعلين السياسيين.
حقوق وواجبات
وعلى الطرف الآخر، تقول عضوة لجنة الثقافة والإعلام في مجلس النواب العراقي النائبة سوزان منصور إنه مثلما للصحفي حقوق عليه واجبات يجب الإلتزام بها، منها احترام الحريات الشخصية، وعدم "مسّ خصوصية الأشخاص" كما يحدث من تسريب مكالمات لجهات وأشخاص معينين.
وفي حديثها للجزيرة نت، طالبت النائبة بمحاكمة أي صحفي يخترق الحدود الشخصية سواء كان الاختراق لشخص عادي أو مسؤول حكومي.
المصدر: الجزيرة