الصين وإقليم كردستان العراق: علاقة مُثقلَة بالتعقيدات

2022-12-30 11:40:49

تحليل :عربية Draw

سردار عزيز

تعمل الصين على توسيع وجودها وقوتها الناعمة في إقليم كردستان العراق أكثر من أي وقت مضى، وذلك عبر الربط بين جامعات ومدارس الإقليم من جهة والجامعات ومعاهد اللغة الصينية من جهة ثانية، وعبر تمويل المنظمات المحلية غير الحكومية، والاستثمار في قطاعات الطاقة والبنية التحتية والتجارة. ومع أن حضور الصين في العراق تركز تقليدياً في الجزء الجنوبي من البلاد، وفي قطاع النفط والغاز تحديداً، إلا أن الاستثمارات الصينية بدأت مؤخراً تشق طريقها في قطاعات البناء والتشييد والبنية التحتية.

مع ذلك، هناك عدد من القضايا الحساسة التي تُلقي بثقلها على العلاقة بين الصين وإقليم كردستان العراق وتزيدها تعقيداً. ويُسلِّط هذا التحليل الضوء على مختلف جوانب الوجود الصيني في إقليم كردستان العراق، والأدوات والسُّبل التي توظفها الصين في بناء علاقاتها مع مختلف النخب والفاعلين في الإقليم، وكيف تتنافس مع بقية القوى الرئيسة الأخرى. كما يحاول التحليل الإجابة عن سؤال محوري هو: هل ستصبح أربيل نقطة رئيسية في مشروع الحزام والطريق الصيني؟ وما أثر ذلك في العراق والمنطقة ككل؟

الأصول التاريخية للعلاقة الصينية– الكردية

ترجع العلاقة بين الصين والأكراد في أصلها إلى عدة محطات تاريخية. ويمكن الشروع بمحاولة فهم هذه العلاقة من خلال النظر إلى حقيقة وصول الماوية إلى المنطقة كأيديولوجية، وباعتبارها جزءاً من الحركة الماوية العالمية. ومع ذلك، ارتبطت الماوية الكردية بالحركة الماوية العالمية ارتباطاً غير مباشر. وقبل أن تصبح الصين قوة اقتصادية عالمية رئيسة، سعت حثيثاً إلى إعادة رسم ملامح النظام العالمي والتأثير على السياسات المحلية للدول الأخرى من خلال تصدير الأفكار الماوية. وبالفعل، أثرت الماوية على فصيل كردي عراقي عبر المنظمة الثورية لحزب "توده" الذي يمثل فرع الماوية في إيران.

في كتابه "دعوة لحمل السلاح: ثوار إيران الماركسيون؛ نشأة الفدائيين وتطورهم"، الصادر عام 2012، يذكر علي رهنمة أن كروش لاشاي، أحد قادة المجموعة الأربعة، زار السليمانية عام 1967 وأصبح المنظر الرئيس للحركة التي تحولت فيما بعد إلى الاتحاد الوطني الكردستاني. وساهم هذا التاريخ في رسم ملامح العلاقة بين الاتحاد الوطني الكردستاني والصين. وبالفعل، عملت شخصيات كثيرة من الاتحاد الوطني الكردستاني سفراء للعراق في الصين، بدءاً بمحمد صابر الذي عُين سفيراً للعراق في بيجين عام 2007، ووصولاً إلى السفير الحالي شورش خالد.

كما كان الرئيس العراقي السابق وزعيم الاتحاد الوطني الكردستاني الراحل جلال الطالباني يرتبط بعلاقة خاصة مع ماو تسي تونغ والصين، وكان يعد ماو "مثله السياسي الأعلى". وزار الطالباني الصين عام 1955 على رأس وفد طلابي اشتراكي عراقي والتقى بتشو إن لاي، رئيس الوزراء الصيني في ذلك الوقت. لذلك، ليس من المستغرب أن يكون أول مشروع تعمير يُرسى على مستثمرين صينيين في إقليم كردستان العراق في منطقة تخضع لسيطرة الاتحاد الوطني الكردستاني. من المحطات الرئيسة الأخرى في العلاقة بين الصين وأكراد العراق فتح الصين عام 2014 قنصلية لها في إقليم كردستان، فكانت الصين بهذا آخر عضو من الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الذي يفتح له قنصلية في أربيل، مما يدل على حساسية هذه المسألة بالنسبة للصين وتعاملها الحذر مع القضية الكردية في العراق، والأقليات بشكل عام.

وعقب افتتاح القنصلية، أحدثت الصين تحولاً في علاقتها مع إقليم كردستان ولم تعد تنظر إلى الإقليم كما لو أنه فاعل ثانوي، بل باتت تسعى إلى تأسيس شراكة ثنائية شاملة تقوم على مصالح مختلفة. وعمدت بيجين إلى تأسيس علاقة متعددة الأوجه مع الإقليم بتوظيف القنصلية لربط الإقليم بالصين والعكس صحيح. وتحرص الصين على التواصل مع مختلف النخب في إقليم كردستان من خلال الكوادر الحزبية ورجال الأعمال والأكاديميين والطلاب والمثقفين وغيرهم. وتتميز هذه المحطات في العلاقة الصينية-الكردية بالانسجام رغم حقيقة أن صين اليوم ليست مثل صين الأمس.

وكما أسلف ذكره، كانت المحطة الأولى في العلاقة الصينية-الكردية في الحقبة الماوية عندما كانت الصين تتبنى سياسة خارجية تقوم على أسس أيديولوجية، في حين أن المحطة الثانية فكانت مع صين رأسمالية تسعى حثيثاً إلى الولوج إلى مزيد من الأسواق وتأمين مصادر جديدة للطاقة والمواد الخام وكسب قدر أكبر من التأثير في عالم اليوم. وكما ذكرنا آنفاً، تتمتع الصين وإقليم كردستان العراق، والنخب الكردية عموماً، بعلاقة تختلف عن علاقة الصين بالدولة العراقية. لهذا السبب، تمتلك الصين الأدوات اللازمة لإقامة علاقة مع الحزب الديمقراطي الكردستاني، الحزب الرئيس في إقليم كردستان.

ويظل التركيز على الأحزاب السياسية إحدى السمات المحددة لشكل العلاقة بين الصين وأكراد العراق؛ فالصين توجه دعوات لأعضاء وكوادر الأحزاب السياسية الكردية أكثر من تلك التي توجهها إلى المسؤولين الحكوميين. وحقيقة أن الاقتصاد يظل المحرك الرئيس لهذه العلاقة حالياً لا يعني أن العلاقة الصينية-الكردية لا تحكمها أسس حكومية وأيديولوجية؛ فنموذج التنمية الصيني يرتبط ارتباطاً وثيقاً بمخاوف سياسية وجيوسياسية، سواء كانت داخل الصين أو خارجها. وعلى الرغم من أن الدولة العراقية تؤدي دوراً حيوياً في العلاقة بمجملها، إلا أن من الممكن دراسة العلاقة بين الصين وإقليم كردستان بمعزل عن علاقة الصين مع الدولة العراقية.

لماذا تتمتع العلاقة الصينية-الكردية بالأهمية؟

يمكن عزو ذلك للأسباب الآتية:

إن فهم وتفكيك طبيعة العلاقة بين الصين وأكراد العراق على درجة عالية من الأهمية لفهم سياسة الصين الإقليمية والخارجية في إقليم كردستان العراق والدولة العراقية ككل.

تمثل العلاقة بين الصين وحكومة إقليم كردستان نموذجاً يمكن من خلاله فهم كيفية تعامل الصين مع أقلية ومع حكومة محلية، سواء كانت في العراق أم في مكان آخر؛ فالموقف الذي تتبناه الحكومة الصينية تجاه الأكراد يتناقض مع موقفها من الأقليات داخل الصين نفسها، وهذا التناقض يلقي بظلاله على العلاقة الصينية–الكردية، خصوصاً إذا ما لاحظنا صمت الطرفين تجاه العديد من المسائل.

تستخدم الصين علاقتها مع أكراد العراق أداة في سياستها تجاه الولايات المتحدة، وإن كان ذلك بشكل رمزي؛ فبعض الجماعات السياسية والمسلحة في العراق باتت تنظر إلى الصين على أنها بديل للولايات المتحدة، وهو دور لا يبدو أن الصين تقابله بترحيب كبير.

مع هذا، إذا تمكنت الصين من الحفاظ على موقعها ونفوذها في إقليم كردستان العراق، فسيكون لذلك أهمية رمزية كبيرة في التنافس المستعر بين القوى العظمى على النفوذ في بقية العراق، لاسيما أن الولايات المتحدة كانت قد وفرت الحماية لإقليم كردستان العراق منذ تسعينيات القرن الماضي، غير أن تحرك حكومة الإقليم نحو الانفتاح على الصين يشي بأن نفوذ الولايات المتحدة في الإقليم آخذ في التراجع.

العلاقات والقضايا السياسية

علاقة الصين مع إقليم كردستان العراق علاقة معقدة ومتعددة الأوجه، حيث يرى كلا الطرفين أن علاقتهما تتيح فرصاً وتفرض تحديات في الوقت نفسه؛ ففي الوقت الذي يقتصر فيه تركيز الصين على الاقتصاد والتجارة وبناء القوة الناعمة، لا تبدو حكومة إقليم كردستان في وضع يسمح لها بالتماهي مع هذا النهج الصيني والتخلي عن التحالف العسكري والضمانات الأمنية التي توفرها لها الولايات المتحدة. ومع ذلك، نجح الإقليم في الاستفادة من الانفتاح الاقتصادي والتجاري الصيني على الإقليم من جهة، ومن الحماية العسكرية الأمريكية من جهة ثانية. ولكن، سيكون لزاماً على حكومة إقليم كردستان العراق اتخاذ خيار صعب في حال تدهورت العلاقة بين الولايات المتحدة والصين. وعليه، فإن بقاء الوضع الراهن على ما هو بين الولايات المتحدة والصين يصب في مصلحة إقليم كردستان العراق.

ومع أن تأثير إقليم كردستان العراق على التنافس بين الصين والولايات المتحدة لا يذكر، إلا أن لدى الإقليم مصلحة قوية في الحفاظ على هذا التوازن الدقيق في علاقته مع القوتين العظميين.  فالولايات المتحدة والصين يخوضان منافسة غير مباشرة، ولكنها محدودة النطاق في إقليم كردستان العراق، من خلال توظيف وسائل الإعلام والدعاية وتجنيد نشطاء محليين وتمويل مجموعات ومجتمعات مختلفة. وبصرف النظر عن التنافس الصيني-الأمريكي، تشوب العلاقة بين الصين وإقليم كردستان العراق بعض الصعوبات.

وعلى رغم سعي الصين الحثيث إلى توسيع حضورها في إقليم كردستان العراق، فإنها لا تسمح للإقليم بفعل الشيء نفسه في الصين؛ فالصين التي أنشأت قنصلية لها في أربيل عام 2014، لم تسمح لحكومة إقليم كردستان بإنشاء قنصلية لها في بيجين، وهي مسألة يحرص كلا الجانبين على التقليل من أهميتها. وخلال مقابلة عام 2021، أكد المسؤولان الرفيعان في حكومة إقليم كردستان، فلاح مصطفى بكير وسفين ديزاي، على الطابع الفني للقضايا التي نوَّه لها القنصل العام الصيني في أربيل، ني روشي. علاوة على ذلك، قال القياديان في الاتحاد الوطني الكردستاني، محمد صابر وآزاد جندياني، إن "الصين اقترحت أن تفتح حكومة إقليم كردستان مكتباً تجارياً مسجلاً باسم شركة ليكون بمثابة ممثل سياسي لحكومة الإقليم في الصين". وبقراءة هذه التناقضات، يظهر لنا أن الصين غير مهتمة بهذا الجانب في علاقتها مع إقليم كردستان العراق.

تتمثل الأهداف الأساسية لاستراتيجية القوة الناعمة للصين في جعل العملاق الآسيوي أكثر جاذبية، وتقديم الصين بوصفها بديلاً للنموذج الديمقراطي الأمريكي، وبناء صورة للشراكة مع الصين على أنها طريقة سريعة ومجدية لإعادة بناء المنطقة. ويبدو هذا النهج ناجحاً لغاية الآن؛ إذ تواصل الشركات الصينية الفوز بعقود استثمار في العراق وإقليم كردستان، ما يضع باقي الشركات والبلدان في حيرة من أمرها بشأن كيفية المنافسة مع الصينيين. كما بات الحضور الصيني في قطاعات التعليم في إقليم كردستان العراق أكثر وضوحاً، لاسيما الجامعات، حيث أبرمت الصين شراكات مع سبع جامعات عامة وخاصة في الإقليم، انطلاقاً من محورية التعليم في دبلوماسية "الأفراد" التي تنتهجها الصين. كما يحاول الصينيون أيضاً توظيف شركاء محليين لهم من خلال تمويل المنظمات غير الحكومية المحلية والصحفيين والمترجمين، مثل مركز تشاوي كرد (Chawi Kurd).

واستخدمت الصين عدة طرق لتنفيذ هذه الخطط في مجالات متعددة. وعلى سبيل المثال، قُدِّمَت تفسيرات مختلفة لسبب تفوق الشركات الصينية على غيرها من الشركات. يقول أكيكو يوشيوكا، كبير المحللين في العراق وكردستان العراق في معهد اقتصاديات الطاقة باليابان، إن "قوة الصين لا تكمن في قوتها الاقتصادية فحسب، بل أيضاً في استعدادها للمغامرة بدعم من الشركات المملوكة للدولة". ويضيف يوشيوكا أن التدخل الحكومي [الصيني] كان حاسماً في فوز الشركات الصينية بالعقود.

ومكَّنت هذه العلاقة الوثيقة بين الشركات الصينية والحكومة هذه الشركات من المنافسة بقوة مدفوعة بالقدرة على تحمل المخاطر وقبول أرباح أقل. فقد سبق أن قال وزير الزراعة في حكومة إقليم كردستان العراق إن الشركات الصينية حصلت على عقود لبناء أربعة سدود في الإقليم، لأنها كانت على استعداد لتشييد هذه السدود بأسعار أقل من تلك المعروضة من قبل شركات أخرى. باختصار، إن قدرة الصين على الفوز بعقود الاستثمار والتوسع والمنافسة مع الآخرين تقوم أساساً على اندماج الشركات الحكومية مع بعضها بعضاً، والاستعداد للمخاطرة، وتبني خطط طويلة الأجل، والتفكير بالتوسع.

ومع ذلك، لا تخلو علاقات الصين مع حكومة إقليم كردستان من المشكلات؛ ففي الوقت الذي تدعي فيه الصين أنها لا تتدخل بالشؤون السياسية الداخلية للمناطق والبلدان التي تستثمر فيها، إلا أنها تواصل فرض سياسة "الصين الواحدة" على إقليم كردستان العراق وتمنعه من إقامة علاقات سياسية مع تايوان. فوفقاً لمصدر مطلع، ألغت الصين ذات مرة زيارة كان رئيس الوزراء السابق لحكومة إقليم كردستان ينوي القيام بها إلى تايوان. وعلى الرغم من أن الصين تفوز بالعقود الاستثمارية في إقليم كردستان أكثر من أي مكان آخر وتؤثر على مختلف نخب الإقليم، إلا أنها لم تجد قبولاً واسعاً بين الناس العاديين بعد.

علاوة على ذلك، وعلى عكس ما هو حاصل في أجزاء أخرى من العراق، لم تعلن أي حركة أو جماعة سياسية رسمياً دعمها للوجود الصيني في إقليم كردستان. في جنوب العراق مثلاً، تضغط منظمات سياسية وشعبية على الحكومة المركزية لضم العراق رسمياً إلى مشروع الحزام والطريق الصيني. وفي فعاليات غير مسبوقة في جنوب العراق، نظمت الحركة الشعبية لطريق الحرير مسيرات ومؤتمرات واجتماعات امتدت من كربلاء إلى البصرة تطالب إلى توثيق العلاقات الاقتصادية مع الصين. ومع ذلك، لا يزال اهتمام الصين منصباً على النخب في إقليم كردستان.

على الرغم من أن الصين تعتزم تشييد مبنى جديد لقنصليتها العامة في أربيل، في خطوة تشير إلى أن هناك نوايا لتحسين العلاقة مع الإقليم، إلا أنها تواجه بعض الصعوبات في هذا الصدد. فبناء قنصلية جديدة يعني أن المزيد من المواطنين الصينيين سيزورون إقليم كردستان العراق، وأنه سيتم تشجيع أعداد أكبر من مواطني الإقليم لزيارة الصين. ومع ذلك، تنظر الصين إلى حكومة إقليم كردستان العراق على أنها لا تعدو عن كونها حكومة محلية ليس لها حضور أو تأثير دبلوماسي. ونتيجة لذلك، يختلف النهج الذي تتبناه الصين اختلافاً كبيراً عن ذلك الذي تنتهجه باقي القوى العالمية الكبرى، لاسيما الولايات المتحدة.

يقود هذا الوضع إلى حالة واضحة من عدم التماثل في القوة الكلية في العلاقة بين الصين وكردستان، الأمر الذي له آثار نفسية وسلوكية سلبية على الجانبين. ولذلك، لن تجد القضايا الكردية أبداً طريقها إلى طاولة أعلى صناع القرار في السياسة الخارجية الصينية نظراً لأن صانع القرار الصيني لا يولي الإقليم قدراً عالٍ من الاهتمام، على الأقل في الوقت الحالي. فمن الناحية العملية، يتم وضع السياسات تجاه إقليم كردستان بشكل أساسي على المستويات التشغيلية من قبل القنصليات والسفارات وغيرها من الأجهزة الحكومية، بما في ذلك وزارات الخارجية والتجارة. وهذا يتناقض هذا بشكل حاد مع علاقات حكومة إقليم كردستان مع البلدان الأخرى، حيث تكون الاستضافة والاستقبال وغيرها من أوجه بناء العلاقات على أعلى المستويات.

في الغرب، يمكن لحكومة إقليم كردستان ممارسة الضغط وتشكيل الصداقات والتأثير على مختلف مراكز القوة في البلدان الغربية. لكن من المستحيل على حكومة الإقليم أن تفعل الشيء نفسه في الصين. ومن ثم، في علاقتها مع الصين، يجب على حكومة إقليم كردستان الحفاظ على الوضع الراهن والتماهي معه واحترامه، بل وفي بعض الأحيان، الامتثال له. فالنخب السياسية في حكومة إقليم كردستان تدرك تماماً أن الولايات المتحدة متوجسة من التوسع الصيني المتزايد في الإقليم. لذلك، يواجه إقليم كردستان العراق معضلة في علاقته مع الصين، والتي أشار إليها جون إيكينبيري بـ "الهرمية الثنائية" في بحث له بعنوان "بين النسر والتنين: أمريكا والصين واستراتيجيات الدولة الوسطى في شرق آسيا." لذلك، يمكن لإقليم كردستان العراق الاستفادة من الاستثمارات الاقتصادية والتكنولوجية الصينية من جهة، والحماية العسكرية الأمريكية من جهة أخرى.

على أي حال، سيكون من الصعب على حكومة إقليم كردستان أن تجد نفسها في موقف يتعين عليها فيه الاختيار بين الولايات المتحدة والصين في المستقبل. ولأن مثل هذا الوضع وارد الحدوث، فقد اختار كلا الطرفين العمل بهدوء وبصمت. لكن هناك تباين رئيس بين الصين وإقليم كردستان العراق. فمن جهة، تعد الصين من أكبر الداعين للالتزام بمبدأ "سيادة وستفاليا" في العلاقات الدولية، أي بأن لكل دولة سيادة على أراضيها وشؤونها الداخلية. وعلى النقيض من ذلك، تفضل حكومة إقليم كردستان العراق نموذج مسؤولية الحماية الذي يقوم على مبدأ السماح للمجتمع الدولي بالتدخل في الشؤون الداخلية للدول.

التعاون في قطاع الطاقة

يعد العراق ثالث أكبر مورد للنفط الخام للصين، حيث يزود العملاق الآسيوي بنحو 10.2% من احتياجاته النفطية. وفي سياق النموذج الذي تقوم عليه استراتيجية الصين لأمن الطاقة، والذي ينصب بشكل أساسي على تحقيق الاكتفاء الذاتي من الطاقة، وعلى مفهوم أمن الطاقة الذي يركز على تجنُّب التغييرات المفاجئة في توفر الطاقة، تعتزم الصين الذهاب إلى ما هو أبعد من قطاع النفط وحسب. تتركز شركات الطاقة الصينية في الغالب في جنوب العراق. وفي تسعينيات القرن الماضي، حاولت الصين، كما فعلت في بلدان أخرى، ملء الفراغ الذي خلفته العقوبات على العراق وعزلته الدولية عن طريق الحلول مكان الشركات الأخرى.

وأرست اتفاقية وقعت عام 1997 بين مؤسسة البترول الوطنية الصينية وحكومة حزب البعث العراقي السابقة لتطوير حقل الأحدب النفطي الأساس المطلوب لصفقات أُبرِمَت لاحقاً، على الرغم من حقيقة أن الاتفاقية نفسها لم تضع موضع التنفيذ أبداً. كما دفعت شركة الصين للبتروكيماويات "سينوبك" مبلغاً قدره 7.24 مليار دولار أمريكي في يونيو 2009 لشركة أداكس بتروليوم السويسرية العاملة في مجال التنقيب عن النفط للدخول إلى قطاع النفط في إقليم كردستان العراق. استهدف العقد حقل "طق طق" النفطي الواقع بين كركوك وأربيل، إلى جانب مجموعة خدمات حقول النفط "سينوبك أنتون"، التي تعمل في العديد من مشاريع القطاع النفطي في إقليم كردستان العراق. قبل ذلك، كانت الشركات الصينية تعمل في الغالب في قطاعات الخدمات الهندسية والمشتريات والبناء، وعملت لصالح شركات أخرى، كما أفاد دبلوماسي سابق في القنصلية الصينية في أربيل. بالإضافة إلى ذلك، اشترت الصين نفط إقليم كردستان عام 2019 بسعر يقل بدولارين أمريكيين للبرميل عن سعر السوق.

يمكن أن يُعزى انخفاض الاستثمار الصيني في قطاع الطاقة في إقليم كردستان إلى عدة عوامل، بما في ذلك التخوف من الوضع القانوني لحكومة الإقليم. كما قد يكون الخام مشكلة بحد ذاته.  في العراق، يعد النفط أكثر من مجرد مصدر للطاقة أو سلعة اقتصادية للأكراد والبلاد ككل، بل هو أيضاً أحد أكثر القضايا الخلافية بين الحكومة العراقية المركزية في بغداد وحكومة إقليم كردستان. لذلك، تدرك الصين جيداً مدى حساسية هذه العلاقة، وتتبنى سياسة تحاول من خلالها الموازنة بين الطرفين.

مع ذلك، ونظراً لأن الصين أصبحت المستثمر الرئيس في قطاع النفط العراقي وأصبح العراق أحد المصادر الرئيسة لواردات النفط الصينية، فلن يتمكن الصينيون من التركيز على كل من بغداد وأربيل في وقت واحد. على الرغم من الاستثمار المحدود في هذا القطاع، يظل قطاع الطاقة في إقليم كردستان العراق داعماً غير مباشر للتجارة والبنية التحتية في الصين. نظراً لنظامه الاقتصادي الريعي، يستورد إقليم كردستان معظم احتياجاته من البضائع والسلع بدلاً من إنتاجها، وتعد الصين أحد أكبر الموردين الرئيسين لسوق الإقليم، إلى جانب إيران وتركيا. فوفقاً لمصدر في وزارة التجارة والصناعة، فإن ما يتراوح من 70 إلى 80 شركة مسجلة لدى حكومة إقليم كردستان تورد البضائع الصينية إلى الإقليم.

الاستثمارات الصينية في القطاعات غير النفطية

تسعى الصين حثيثاً إلى الاستثمار في إقليم كردستان العراق؛ فالوضع الأمني المستقر في محافظة أربيل وبيئتها الجاذبة للاستثمار تجعلان منها مقصداً للاستثمارات الصينية في الإقليم. كما تستفيد الصين أيضاً من حاجة حكومة إقليم كردستان للاستثمارات الأجنبية وقلة القيود القانونية في الإقليم. ونظراً لأن محافظة أربيل جزء من العراق وتُحاذي كل من إيران وسوريا، يمكن للصين استخدامها مركزاً لتوزيع البضائع والسلع إلى أجزاء أخرى من البلاد والمنطقة ككل. وفي حين أنه من المعروف على نطاق واسع أن التركيز الأساسي للصين ينصب على قطاع الطاقة، لاسيما الاستثمار في قطاع النفط في العراق وإقليم كردستان، يمكن وصف نهجها بأنه يتجاوز قطاع النفط والغاز كما يتجلى من خلال محاولاتها الاستثمار في كل قطاع.

على أطراف مدينة أربيل، تخطط شركة بيجين للاستثمار لإطلاق مشروع سياحي ثقافي ضخم يسمى "المدينة السعيدة". وسيتضمن المشروع منتزهاً سياحياً ومركزاً تجارياً ضخماً ليصبح وجهة سياحية للزائرين من مختلف أنحاء العراق. وسيُستخدَم هذا المركز التجاري الفريد من نوعه لعرض المنتجات الصينية، وتعريف الجمهور بها، ليصبح في نهاية المطاف مركزاً لتوزيع المنتجات الصينية، وفقاً لموقع الشركة على الإنترنت.

حاولت الصين استخدام المعرض لربط أربيل بالمدن الصينية والربط بين الأسواق والتجار عبر الإنترنت. وفي 8 مارس 2021، أُطلِقَ معرض جينهوا التجاري للتصدير عبر الإنترنت، والذي نُظِّمَ خصيصاً لإقليم كردستان العراق. ونظَّم المعرض كل من مكتب التجارة البلدي في مدينة جينهوا في الصين، ولجنة جينهوا التابعة للمجلس الصيني لتعزيز التجارة الدولية وفرع أربيل (إقليم كردستان) في غرفة التجارة العراقية للواردات والصادرات.

بذلت الصين جهوداً لترسيخ وجودها في إقليم كردستان العراق في عدة مجالات أخرى كما حدث قبل وأثناء جائحة كوفيد-19، واستخدمت العديد من الأدوات لتحقيق ذلك. على سبيل المثال، ما انفك المدير الدولي لشركة النفط الصينية HBP، تشين ليانغ، يحاول إيجاد موطئ قدم لشركته لدى حكومة إقليم كردستان. فخلال جائحة كوفيد-19، قدمت الشركة نفسها 5400 مجموعة اختبار طارئة و30000 كمامة لإحدى المنظمات الخيرية الرئيسة الناشطة في الإقليم، وهي مؤسسة بارزاني الخيرية. تعمل الشركات الصينية في مختلف القطاعات، بما في ذلك كفاءة الكشف الكمي (DQE)، وخدمات النفط والغاز، والمصافي، والسدود.

كما تعمل الشركات الصينية أيضاً على تأسيس شراكات مع الشركات المحلية؛ فقد أبرمت شركة الطاقة الصينية (PowerChina) شراكة مع مجموعة دابين (Dabin Group)، وميلات القابضة (Mellat Holding) لبناء مصنع للأسمنت. كما أبرمت الشركة الصينية نفسها شراكة مع مجموعة خوشناو (Khoshnaw Group) لإنتاج القمح. وأنشأت الصين وزارة لأمن الدولة (Guoanbu) ومراكز للشرطة في الخارج للتوسع عالمياً. ووفقاً للمصادر، تنشط وزارة أمن الدولة الصينية في أربيل كجزء من أدوارها المتزايدة، وتعمل على جذب المثقفين المحليين، والوصول إلى صناع القرار في الإقليم، وإطلاق شركة إعلامية ستتولى المسؤولية عن ترجمة الكتب الصينية إلى اللغة الكردية للوصول إلى جمهور أكبر.

القوة الناعمة للصين

في كردستان العراق، كان تركيز الصين على أدوات القوة الناعمة واضحاً، إذ سعت بيجين سعياً لا حدود له تجاه تعزيز قوتها الناعمة طوال فترة صعودها. تقول ماريا ريبنيكوفا، في كتابها "القوة الناعمة الصينية" (الصادر عن مطبعة جامعة كامبريدج، 2022)، أنه في السياقات المحلية والدولية، يحرص الرئيس الصيني شي جينبينغ على التأكيد على "القوة الناعمة" ويستدعيها بشكل متكرر. لذلك، ليس من المستغرب أن تتمتع الصين بعلاقة قوية تعتمد على القوة الناعمة مع إقليم كردستان العراق. سيركز القسم التالي من هذه الورقة على أنشطة الصين داخل جامعات إقليم كردستان العراق والمجتمعات المدنية.

تتعاون الصين مع الجامعات في إقليم كردستان العراق من خلال تنظيم الرحلات، وتقديم الزمالات، وفتح الركن الصيني (برنامج لتأسيس علاقات بين المؤسسات والأفراد في كردستان وفي الصين بهدف بناء الشراكات في مختلف المجالات)، وإنشاء مراكز لتعليم اللغة الصينية. هذا إلى جانب إنشاء مراكز تكنولوجيا المعلومات والاتصالات التابعة لشركة هواوي والتوسع السريع فيها. وفي هذا السياق، تعمل شركة هواوي على إبرام شراكات مع الأكاديميات في جميع أنحاء العالم، وتقديم التدريب التكنولوجي، وتشجيع الطلاب على الحصول على شهادات من الشركة، وتطوير الأفراد أصحاب المهارات العملية.

كما تواصلت القنصلية الصينية مع جامعات أخرى في الإقليم بعد إنشاء مركز اللغات في مدينة أربيل، وأُعلِنَ مؤخراً عن افتتاح ركن صيني في جامعة دهوك. وتشير مصادر إلى أن القنصلية الصينية في أربيل تجري محادثات مع جامعتي السليمانية ورابرين لافتتاح أركان صينية فيها. بالإضافة إلى ذلك، كانت هناك زيارات متكررة لطلاب إقليم كردستان إلى الصين وإلى الجامعات الصينية. وتحاول الصين الجمع ما بين التعليم والدبلوماسية من خلال هذه الأكاديميات والمراكز والأركان والزيارات. بشكل عام، يهدف عمل الصين في قطاع التعليم في إقليم كردستان إلى تحسين صورتها من خلال إيجاد قاعدة شعبية داعمة لها في المجتمعات المحلية وخلق صورة إيجابية عنها بين النخبة المتعلمة.

وسعياً لتحقيق الهدف نفسه، اقترحت القنصلية العامة للصين عام 2017 على كلية اللغات بجامعة صلاح الدين إنشاء قسم للغة الصينية بالجامعة. وتم بالفعل تأسيس العديد من الروابط الأخرى مع جامعات مختلفة في الإقليم. ويمكن النظر إلى إنشاء العديد من أكاديميات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات التابعة لشركة هواوي على أنه شكل من أشكال بناء القوة الناعمة، وفي الوقت نفسه أعمال تجارية، قد يترتب عليها جمع لبيانات عن الإقليم. تُقدِّم أكاديميات هواوي لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات حالياً دورات تدريبية وشهادات في الجامعة اللبنانية الفرنسية، وجامعة كرميان، وجامعة دهوك، وجامعة السليمانية التقنية، وجامعة صلاح الدين.

تشجع هواوي وتدعم هذه الأكاديميات التي تقوم بدورها بتعليم وتدريب الطلاب في العديد من الاختصاصات، بما في ذلك تكنولوجيا الجيل الخامس، والحوسبة السحابية، والذكاء الاصطناعي، وتقنيات سلسلة الكتل (blockchain). ووفقاً لمصادر جامعية، باتت هذه المراكز تحقق نجاحاً كبيراً، وأصبح لدى خريجيها فرصة أفضل للحصول على عمل لدى إحدى شركات الاتصالات الرئيسة في الإقليم، والتي تعد هواوي واحدة من الموردين الرئيسين لهذه الشركة. إلى جانب تقديم التدريب ومنح الشهادات، تنفذ هواوي مسابقتها لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات في الإقليم. فعام 2022، هزم فريق من جامعة صلاح الدين فرقاً من جميع أنحاء العالم وفاز بالجائزة الكبرى في مسابقة الابتكار.

كما ينشط الصينيون بشكل كبير في قطاع الإعلام ومؤسسات المجتمع المدني. مركز تشاوي كرد (Chawi Kurd) هو منظمة مجتمع مدني تمولها الصين وتحاول من خلاله وخلال غيره من مؤسسات المجتمع المدني تعميق علاقتها وتواصلها مع الشعب الكردي. كما مولت القنصلية الصينية في أربيل الترجمة الكردية لكتاب الرئيس الصيني شي جينبينغ "حكم الصين". وبعد نشر الكتاب، دُعيَ المدير السابق للمركز لزيارة الصين. والتقى مدير المركز، الذي ينظر إليه الصينيون كما لو أنه مركز للتنمية السياسية، ممثلين عن مركز التعاون الدولي للتنمية الوطنية والإصلاح في الصين خلال الزيارة.

ومع ذلك، يظل التركيز منصباً على التنمية أكثر منه على الديمقراطية. وبحسب دلشاد نامق، رئيس مركز تشاوي كرد، فإن "القضايا السياسية والديمقراطية الكردية لا تناقش أبداً في اجتماعاتهم مع المسؤولين الصينيين". وقد يكون الابتعاد عن تناول مثل هذه المواضيع نابعاً من مبادئ "اللاءات الثلاثة" التي عبر عنها الرئيس الصيني شي جين بينغ: "لا وكلاء، ولا مجال اهتمام، ولا محاولة لملء أي فراغ في السلطة في الشرق الأوسط". ومع هذا، فإن التركيز على التنمية يشي أن العلاقة الصينية–الكردية يحكمها أكثر من مجرد "لاءات ثلاثة"، وأبرزها الالتزام بعدم التطرق للقضايا المتصلة بالديمقراطية والتركيز بدلاً من ذلك على التنمية.

كما أن العمل ضمن إطار التنمية، وليس الديمقراطية، يعني أن الصين لا تنظر إلى حكومة إقليم كردستان ككيان سياسي. ترتبط الصين بالقنوات الإعلامية الرئيسة في إقليم كردستان من خلال المقابلات والمقالات التي تكتبها القنصلية والرحلات التي تنظمها لممثلي وسائل الإعلام الكردي إلى الصين. بالإضافة إلى ذلك، تدير القنصلية الصينية في أربيل صفحتها على موقع فيسبوك باللغة الكردية. ويكشف استعراض سريع للمواد المنشورة على الصفحة أنه إلى جانب الترويج للنخب السياسية البارزة، تركز الصين في المقام الأول على صور مشاريع البنية التحتية الضخمة والمدن الجديدة والسدود والجسور وغيرها من المشاريع، ما يؤكد تركيزها على التنمية وإغفال موضوع الديمقراطية.

تهدف كل هذه الجهود إلى تحقيق أهداف متعددة في الوقت نفسه، من بينها سعي الصين الحثيث لتمييز نفسها عن النموذج الأمريكي، وخاصة التجربة الأمريكية في العراق من خلال هذا الخطاب. وتحاول الصين ربط الديمقراطية بالفوضى من جهة، والتنمية، وتحديداً نموذج التنمية الصيني، بالاستقرار والنمو من جهة أخرى. ونظراً لأن هذا النهج يتجنَّب التطرق إلى أي جانب من جوانب السياسة أو البيئة أو حقوق الإنسان، فإنه بالنتيجة يمكن الصين من التركيز على الفوز بالعقود والمشاريع. وترحب النخب في حكومة إقليم كردستان، وإن كان بحذر، بهذا النهج.

استنتاجات

تشق الصين طريقها نحو تعميق وجودها في إقليم كردستان العراق من بوابة الاستثمار في قطاعات البنية التحتية والتجارة والطاقة والتعليم، فضلاً عن استخدام أدوات القوة الناعمة التي تمتلكها. ولكن حقيقة أن كلا الطرفين يعمل ضمن حدود ومقيدات معينة يُعقِّد من العلاقة بينهما؛ ففي الوقت الذي تسعى فيه الصين نحو مزيد من التوسع وتحاول جذب المستهلكين في الإقليم إلى نموذجها ومنتجاتها، لا تمتلك حكومة إقليم كردستان أي فرصة لإيجاد موطئ قدم لها في الصين، ناهيك عن محاولة التأثير أو ممارسة الضغط هناك. وبغض النظر عن مدى محدودية العلاقة، فإنها لن تكون في منأى عن التبعات المترتبة على أي توترات بين الولايات المتحدة والصين. نتيجة لذلك، ستضطر حكومة إقليم كردستان في المستقبل إلى الاختيار بين الاقتصاد والأمن، خاصة إذا تدهورت العلاقات الصينية الأمريكية بشكل أكبر على نطاق عالمي.

تُصبح المعضلة أكثر حدة عندما تكون الولايات المتحدة غير راغبة في الاستثمار، والصين غير مستعدة لتوفير الأمن؛ فقد يثير توسع الصين في العراق وإقليم كردستان قلق الولايات المتحدة ودول أخرى، خاصة فيما يتعلق بفوز الشركات الصينية بالعقود واستعدادها للمجازفة. وتحاول الصين إخراج العراق من الفضاء الأمريكي من خلال التركيز على التنمية بدلاً من الديمقراطية. كما سيؤدي صعود النفوذ الصيني إلى إعاقة عملية التحول الديمقراطي في العراق، خاصة وأن الولايات المتحدة ودول أخرى باتت ترى أن الناس قد ضاقوا ذرعاً بمحاولات التحول الديمقراطي. ولا تخشى الصين من طرح نموذج الرقابة والرصد الخاص بها، ما يُسهِم في زيادة الرقابة الاجتماعية والسياسية في الإقليم.

وحتى في نموذج الإدارة، تُفضِّل النخب السياسية الكردية العراقية النموذج الصيني الذي يجسد علاقة وثيقة وتكافل بين الحزب والدولة، ويقوم على الفصل بين الحقوق الاقتصادية والسياسية، ويرتكز أساساً على النموذج الماوي القديم المدفوع برغبة الجمع بين امتلاك السلطة من جهة والقدرة على ممارسة العنف من جهة أخرى. وعلى الرغم من ولعها بهذا النموذج، إلا أن النخب الكردية العراقية لا يمكنها تبنِّيه صراحة. كما باتت أذرع القوة الناعمة للصين تستخدم عبر الجامعات في إقليم كردستان العراق وفق منهجية عمل صينية فريدة.

كما تُسهِم المبادرات الصينية في قطاع التعليم وتعلم اللغة الصينية وفرص العمل في الشركات الصينية وعوامل أخرى في رسم صورة إيجابية عن الصين بين سكان إقليم كردستان العراق. علاوة على ذلك، تحاول الصين توظيف شركاء وأدوات محلية للقيام بجهود التواصل مع النخب المحلية. في ضوء ما تقدم، من الواضح أن الصين، وبرغم كل التحفظات الكردية، أصبحت الصين جزءاً لا يتجزأ من اقتصاد إقليم كردستان العراق، وأوجدت لنفسها موطئ قدم في قطاعات التعليم، والسوق، والسياسة بطريقتها الفريدة الآخذة بالتوسع.

وعلى الرغم من كل التحديات، ستستمر علاقة الصين مع حكومة إقليم كردستان في الوقت الحالي. ومع ذلك، من الصعب تخيل نجاح الجانبين في بناء مستوى عالٍ من الثقة والصداقة الوثيقة لأسبابٍ عدَّة، من بينها تهديد القوة العسكرية الأمريكية، وحاجة إقليم كردستان الملحة للحماية، وإحجام الصين عن الاعتراف الكامل بحكومة إقليم كردستان. وعليه، سيظل يخيم على العلاقة الصينية–الكردية أجواء من الضبابية والحساسية.

بابه‌تی په‌یوه‌ندیدار
مافی به‌رهه‌مه‌كان پارێزراوه‌ بۆ دره‌و
Developed by Smarthand