Draw Media

بوادر تفاهم سياسي ترسم ملامح مرحلة انتقالية أكثر وضوحا في كردستان

2025-04-19 21:09:28

عربية:Draw

بعد أكثر من ستة أشهر من الجمود السياسي الذي أعقب الانتخابات البرلمانية في إقليم كردستان العراق، بدأت ملامح انفراجة تلوح في الأفق، مع إعلان توصل الحزبين الكرديين الرئيسيين، الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، إلى مسودة اتفاق لتشكيل الحكومة الجديدة.

ويأتي هذا التطور بعد سلسلة من الاجتماعات الفنية والسياسية المكثفة عقدها الحزبان الكبيران في الإقليم، في مسعى لتجاوز الانقسام الذي شل مؤسسات الحكم، وأدى إلى استمرار حكومة تصريف الأعمال منذ انتهاء ولايتها في عام 2022.

ووصفت الاجتماعات التي عقدت الخميس في محافظة السليمانية، بأنها مفصلية في مسار التفاهمات بين الطرفين، حيث أفضى اللقاء الصباحي الذي جمع اللجان الفنية إلى إعداد مسودة تحدد بدقة صلاحيات المستويات المختلفة في الحكومة المقبلة، من رئيس الوزراء ونائبه، وصولا إلى الهيئات المستقلة والمديرين العامين.

وتعكس هذه المقاربة محاولة للخروج من الصيغ الفضفاضة التي طالما أدت إلى التداخل والصراع على الصلاحيات بين المكونات السياسية، والتمهيد لتوزيع أكثر وضوحا للسلطة داخل الهيكل الحكومي.

وفي حين رفعت اللجان الفنية توصياتها إلى اللجان العليا، جاء الاجتماع المسائي الذي عقد في السليمانية بمثابة اختبار سياسي للمسودة، حيث خضع مضمون الاتفاق لنقاش موسع بين كبار الشخصيات من الحزبين، أبرزهم هوشيار زيباري عن الديمقراطي الكردستاني، وقوباد طالباني عن الاتحاد الوطني.

ورغم تسجيل بعض الملاحظات، فإن أجواء اللقاء وصفت بالإيجابية، ما يعزز التوقعات بإقرار المسودة خلال أيام، تمهيدا لإعلان تشكيلة حكومية تعيد تفعيل المؤسسات وتعيد الثقة بالعملية السياسية في الإقليم.

وعبّر رئيس حكومة الإقليم مسرور بارزاني عن دعمه للإسراع في تشكيل الحكومة، مشددا على أن الهدف يجب أن يكون خدمة المواطن، لا اقتسام الامتيازات السياسية.

وفي تصريحات له على هامش مشاركته في ملتقى السليمانية، أشار بارزاني إلى أن الخلافات حول تشكيل الحكومة ليست كبيرة، لكنه جدد التأكيد على ضرورة احترام الاستحقاق الانتخابي في توزيع المناصب، وهو ما يعكس تمسك حزبه، الفائز الأكبر في الانتخابات الأخيرة، بموقعه التفاوضي المتقدم.

وفي المقابل، يظهر الاتحاد الوطني الكردستاني مرونة ملحوظة، بعد فترة من التوترات الداخلية والتجاذبات، لاسيما ما يتعلق بانقسامه الداخلي على خلفية صراع النفوذ بين قيادة الحزب الحالية ولاهور شيخ جنكي، الزعيم السابق الذي يقود الآن “جبهة الشعب".

ورغم أن هذه الجبهة ما زالت تمثل نقطة خلاف داخل البيت الكردي، إلا أن المسودة التي يتم التفاوض عليها تميل نحو مقاربة تمثيلية تبقي الباب مواربا لبعض القوى الناشئة، دون أن تخل بالتوازنات التقليدية.

ويرجح مراقبون أن تسهم التفاهمات الجديدة في إعادة ترتيب البيت السياسي الكردي، الذي يعاني من ضغوط متعددة الجبهات: داخلية تتعلق بالأداء المؤسسي والاقتصادي، وخارجية تتمثل في إدارة العلاقات المتوترة مع بغداد، خصوصا في ما يخص ملفي الموازنة والرواتب، وأيضا مستقبل إدارة الملف النفطي بعد قرارات المحكمة الاتحادية العراقية.

ووسط هذه الضغوط، يظهر الاتفاق المرتقب ليس فقط كمخرج من أزمة محلية، بل كشرط ضروري لإعادة تموضع أربيل ضمن المشهد السياسي العراقي الأوسع.

وإذا ما تمت المصادقة على المسودة في الأيام المقبلة، فإن حكومة الإقليم ستدخل مرحلة جديدة، تتسم بتوزيع واضح للصلاحيات، وانخراط أوسع للأطراف الأساسية في صناعة القرار، في وقت يطالب فيه الشارع الكردي بإصلاحات ملموسة وإنهاء حالة الشلل التي عطلت مصالح المواطنين وهددت صورة الإقليم كواحة استقرار نسبي في عراق مضطرب.

ومع أن طريق التشكيل لم يستكمل بعد، فإن المؤشرات الحالية توحي بأن الإقليم يقترب من تجاوز واحدة من أطول فترات الركود السياسي في تاريخه الحديث، مع انتظار الترجمة العملية لما تم الاتفاق عليه.

ويشهد إقليم كردستان أزمة سياسية مستمرة منذ الانتخابات الأخيرة، حيث تعثرت مفاوضات تشكيل الحكومة بين الحزبين الرئيسيين.

وتعود جذور الخلافات إلى تباين الرؤى حول تقاسم السلطة، وصلاحيات المناصب الرئيسية مثل رئاسة الإقليم والحكومة والبرلمان.

وخلال الفترة الأخيرة حمل خطاب الاتحاد الوطني درجة من اللين بعد أن كانت قيادات الحزب قد أعلت من سقف مطالبها بشأن تشكيل الحكومة وأبدت إصرارها على الحصول على مناصب قيادية خارج الاستحقاق الانتخابي للاتحاد الذي وضعته نتائج الانتخابات ثانيا بعد الحزب الديمقراطي ومتأخرا عنه بستة عشر مقعدا من مقاعد البرلمان المنتخب في أكتوبر الماضي.

وجعلت قيادات الاتحاد على مدى الأشهر الماضية من شعار تصحيح مسار الحكم واجهة لطموحها لقلب معادلة السلطة القائمة في الإقليم والتي اقتضت أن يكون الحزب الديمقراطي قائدا رئيسيا لسلطات الحكم الذاتي تبعا لوزنه السياسي وحجمه الجماهيري والانتخابي.

وسُجل مؤخّرا تراجع ملحوظ لذلك الشعار من خطاب تلك القيادات التي بدأ بعضها يبحث له عن تأويل مرن أقل إثارة للخلافات.

وطبقا للنظام الداخلي لبرلمان الإقليم، يتعين على رئيس الإقليم دعوة البرلمان المنتخب إلى عقد جلسته الأولى خلال 10 أيام من المصادقة على نتائج الانتخابات، وإذا لم يدعُ الرئيس إلى عقد الجلسة الأولى يحق للبرلمانيين عقدها في اليوم الحادي عشر للمصادقة على النتائج، فيما يترأس العضو الأكبر سنا جلسات البرلمان قبل انتخاب الرئيس الدائم بعد تأدية القسم الدستوري.

وحل الاتحاد الوطني في الانتخابات في المرتبة الثانية بعد الحزب الديمقراطي وذلك بحصوله على ثلاثة وعشرين مقعدا من مجمل المقاعد المئة بالبرلمان بينما حصد منافسه الأكبر الحزب الديمقراطي على تسعة وثلاثين مقعدا.

ويأتي الحديث عن قرب حلحلة قضية تشكيل حكومة جديدة للإقليم مترافقا مع الإعلان عن الخطوة النوعية باتجاه الخروج من الأزمة الاقتصادية والمالية المتمثّلة في الإعلان عن قرب استئناف تصدير النفط الذي كلّف توقفه قبل نحو عامين خسائر كبيرة انعكست على الوضع المالي للإقليم وقدرة سلطاته على الإيفاء بالتزاماتها تجاه مواطنيها.

وكانت تركيا قد أوقفت تدفقات النفط في مارس 2023 بعد أن أمرت غرفة التجارة الدولية أنقرة بدفع تعويضات لبغداد قدرها 1.5 مليار دولار عن صادرات نفطية بلا تصاريح لحكومة إقليم كردستان عبر خطوط أنابيب بين عامي 2014 و2018.

ومن المتوقع أن يخفف استئناف التصدير الضغوط الاقتصادية عن إقليم كردستان بعدما أدى التوقف إلى تأخير رواتب العاملين في القطاع العام وتقليص الخدمات الأساسية ما تسبب في حالة تذمّر واحتقان اجتماعي داخل الإقليم.

المصدر: صحيفة العرب

 

Related Post
All Contents are reserved by Draw media.
Developed by Smarthand