الشيخ نھرو الكسنزاني : من إقتصاد النفط الى إقتصاد السياحة الدينية
2021-01-10 07:46:18
مریوان وریا قانع - آراس فتاح زاوية اسبوعية يكتبها ل( الحصاد DRAW ) :
ترجمة : عباس المندلاوي
انتعشت واتسعت سلطة ونفوذ الطرق الدينية ( الصوفية) في مناطق كوردستان في النصف الثاني من القرن التاسع عشر على خلفية الفراغ السياسي الكبير ، عقب تتابع اسقاط الامارات الكوردية في ذلك القرن وخلق فراغ في السلطة ؛ ليملأ شيوخ و تكايا تلك الطرق الصوفية الفراغ في السلطة فيمارسون السطة السياسية الى جانب نفوذهم وسلطتهم الدينية . ولكسب ولاءهم تلجأ السطات الدولة العثمانية لتمليك بعض من ممتلكات الامارات الكوردية البائدة باسم اولئك الشيوخ الذين اصبحوا بذلك يستحوذون على السلطات الدينية والسياسية والاقتصادية في كوردستان ، فتجميع وتركيز السلطات الاساسية الثلاث في المجتمع بيد شيوخ الطرق الصوفية خلق انقلابا اجتماعيا جذريا في الساحة الكوردستانية آنذاك ، و لم ان تم تجميع السلطات الثلاث بيد اي شخصية اجتماعية يحدث قبل ذلك.
تمتُعْ شيوخ الطرق الصوفية – الدينية بتلك السلطات المطلقة والواسعة لم يدم طويلا ؛ فقد تم تقييد وتحديد نفوذهم وسلطاتهم مع هبوب رياح التغييرات السياسية والاجتماعية القادمة من الغرب على صورة الحركات السياسية - الدولة القومية بجميع تنظيماتها البيروقراطية وتصبح الفاعلة المؤثرة الاولى في المجالين السياسي والاقتصادي ، فضلا عن الموجة الثقافية والمعرفية والتعليمية والعلمية والادبية التي سحبت بساط المعرفة والتعليم من تحت اقدام الشيوخ وتكاياهم وحُجَرِهم التي كانت المنفذ الوحيد لتعلم القراءة والكتابة في فترة من الفترات ، هذا الى جانب تشكيل الاحزاب والجمعيات السياسية التي اصبحت البديل والمنافس لحضور التكايا والجوامع السياسي والتنظيمي في المجتمع ، وبشكل عام صار الشيوخ والتكايا مجرد رقم مؤثر ضمن الارقام الاخرى في القرن العشرين ، بل يصبحون في الصف الثاني او الثالث من حيث التأثير على الساحة ويعملون في ظل الشخصيات السياسية الحضرية ( المدنية ) .
ومرة اخرى يتم تحديد نفوذ وسلطة ( الدينية والسياسية ) شيوخ الطرق الصوفية في النصف الثاني من القرن الماضي عقب ظهور الاسلام السياسي وتشكيل المنظمات الدينية و انتشارها ويكون هذا التحديد اكثر خطورة واشد تأثيراً لان المنافسة ظهرت من الصعيد الديني ذاته ، لان تلك العناصر المنافسة الدينية السياسية التي صنعتها ماكنة الاسلام آتية من نظام تربوي وتعليمي مدني حديث وليس من الجوامع والتكايا وحُجَرْ الطرق الصوفية والدينية ، وفي معظم الاحيان وعلى كثير من المستويات كانت العلاقة بين العناصر الدينية الجديدة والعناصر والشخوص الدينية التقليدية في الطرق الصوفية بضمنها شيوخها علاقة ندية وتنافسية ؛ ففي معظم الاحيان كان الاسلام السياسي مهمشا للبعد السياسي الصوفي .
كل تلك التغييرات والمستجدات افرزت ظاهرةً مثل نهرو الكسنزاني ؛ في حين كان من الصعب بروزه في القرن الماضي ؛ واي ظهور له لم يكن ليتعدى دوراً كنجلٍ او وريثٍ لاحد شيوخ الطرق الصوفية ، على الصعيد الديني المزدحم بالمنافسات والصراعات . ولكن ماهي تلك الظروف والمستجدات الراهنة التي انتجت ظاهرة ” نهرو الكسنزاني “ بهذا الشكل ، وكيف ندرك كُنه هذه الظاهرة وملابساتها ؟
شخصية نهرو الكسنزاني لم تتبلور وتتكون مثل الشيوخ التقليديين للطرق الصوفية –الدينية ولم يتلقى اية علوم دينية او فقهية من اي حوزات او اوساط والمدارس دينية او علماء او شيوخ الطرق الصوفية ولم يكن صاحب اجتهاد ديني ؛بل على عكس ذلك فهذا ” الشيخ “ الشاب والجديد درس في المدارس والجامعات العلمانية وحصل على شهادة الدكتوراه في التاريخ من الجامعات البريطانية ، اي انه ليس شخصا دينيا ولم ينبثق من الوسط والتراث الديني . ومن الناحية السياسية كان شخصية نشطة ، فقد كان يترأس ( تحالف الوحدة الوطنية ) و أمين عاما ل( تجمع الوحدة الوطنية العراقي ) وهو مقرب من الاتحاد الوطني الكوردستاني ؛ ومن هذا المنظور فهو نتاج العلمانية تربية وتعليما والحالة السياسية الكوردية ؛ عالم ما بعد الانتفاضة . فليس له اي صلة كيفية او نوعية ( حيثية ) بعالم الطرق الصوفية – الدينية التقليدية في القرنين التاسع عشر والعشرين المنصرمين ، وهذا الشيخ بقدر ما يسعى لموقع سياسي لا يهمه اي موقع ديني ؛ وهو كما يقول ”أخذ على عاتقه مشكلة الشعب الكوردي “ وكذلك ” التواصل مع المرجعيات الاخرى لايجاد حل لمشكلة الشعب الكوردي“ أي انه لايخفي طموحه السياسي الكبير ، وهو مدرك لاهمية الموقع والقاعدة الدينية ( الصوفية ) لعائلته لمساعيه الرامية لتحقيق طموحاته السياسية الكبيرة ومن تعزيزها والحفاظ عليها ، ومن هذه الناحية هذا الشيخ (الحديث) لا يختلف عن نظرائه من عوائل البرزاني والطالباني و نوشيروان ، فهو مثل اولاد تلك العوائل السياسية ؛ ورث تركة وإرثا وسلطة دينية من أبيه دون عناء ، وهو يسعى لتحويل تلك السلطة والقاعدة الدينية الى سلطة سياسية واقتصادية .
من يشاهد المقطع الفيديوي القصير الذي يتحدث فيه هذا الشيخ الجديد ،لن يشك ولو للحظة في أنه طامح في ان يكون مرجعا سياسيا في كوردستان ؛ويحلم في تحويل مرجعيته الدينية – الصوفية الى مرجعية سياسية ، أ ن يتحول من شيخ ل( لطريقة صوفية – دينية ) الى شيخ سياسي . فهو يتحدث بجلاء بوصول قدرات السلطات السياسية في الاقليم الى نهايتها ، وهو يعتقد ان القضية الكوردية ومعها أزمة رواتب منتسبي الحكومة خارج نطاق قدرات السلطة السياسية لاقليم كوردستان ، وبامكان السلطة الدينية معالجتها ؛ وهو بالتأكيد لا يقصد بذلك قوى الاسلام السياسي الموجودة على الساحة الكوردستانية بل يلمح الى سلطة طريقته الدينية المتوثبة للتحول الى سلطة سياسية حاكمة .
عندما يتحدث هذا ”الشيخ“ الجديد عن رؤاه لاُسس الحكم والسلطة السياسية ، يتغافل عن شيء اسمه ”الارادة العامة “ وأن المجتمع والامة والشعب مصدر السلطات والشرعية ، بل يتحدث ان شرعية ”المرجعية الكسنزانية “ التي يدعي ان عديد شيوخها و(دراويشها) ومريديها بين الكورد وبقية الامم يناهز ( 200) مليون نسمة ، بمعنى ان مرجعيته الدينية – الصوفية التي هي مصدر مرجعيته السياسية ؛ مرجعيةٌ عابرةٌ للقومية والوطنية ”ترانس ناشنال “ Trans national. . ولكن في انظمة ( الدولة – القومية ) السائدة في المنطقة والعالم لا يُنظَر الى هذه المرجعية الكسنزانية العابرة للقومية والوطنية الا بمنظار شركة متعددة الجنسيات والمساهمة المشتركة ، ولا تستطيع العمل و الظهور بمظهر وقالب سياسي ، ونجد خلف هذه الرؤية منطق الشركة المساهمة داخل اقتصاد محتكر .
ويعتقد هذا الشيخ ان بامكان اتباع طريقته ال ( 200 مليون ) انقاذ مدينة السليمانية من أزماتها العويصة وتحويلها الى عاصمة التصوف العالمي وكذلك تأمين رواتب موظفي الاقليم كافة ، وبذلك وكما يقول هو ( يتم إنهاء الاحباط واليأس ) . واذا تحدثنا عن رؤى ومنطق نهرو الكسنزاني بلغة ومنطق الاقتصاد ، يُمْكِنْ القول انه يسعى الى تغيير اقتصاد النفط ، المحتكر بشكل كامل ولا مكان لرجال اعمال اصحاب رساميل اخرين فيه ،الى إقتصاد السياحة الدينية البعيدة حاليا عن اي احتكار وهو مازال في استهلاله وبداياته الاولى في اقليم كوردستان ، فبدلا من شركات النفط والامن او مشاريع مثل (چاڤی لاند ) والوحدات السكنية والعقارات ، هذا الشيخ سيفتتح مراكز الذكر والتهليل و اسواق التصوف ويستقدم لها السياح الدينيين من أنحاء العالم وبهذا سيتمكن من انهاء الازمة الاقتصادية واعادة الأمل والبسمة الى جيوب و شفاه اهالي اقليم كوردستان الفقراء .
المرء ليس بحاجة الى خبرة في مجالي الاقتصاد والسياسة لكي يدرك ماهية الطموحات والمرامي الكامنة وراء طرح مشروع عاصمة التصوف ، فالشيخ نهرو الكسنزاني سيسير في نفس طرق وينتهج نفس سبل السياسة في الاقليم ويتَبِعْ نفس القوانين ؛ قوانين ربط السياسة مع التجارة ، وتحويل الشخصيات السياسية الى رجال اعمال وتجارة وتكديس الاموال والثروات من خلال السيطرة على السلطة السياسية .
عدم اقتناع هذا الشيخ الشاب بالسلطة الدينية لوحدها والجلوس على رأس هرم طريقته الصوفية الدينية و بغيته من السياسة و حافزه ليس ، بالطبع حل ”المشكلة الكوردية “ كما يقول ، لان ”المشكلة الكوردية “ لن تجد طريقها للحل بجعل السليمانية عاصمة للتصوف في العالم او احلال المرجعية الكسنزانية محل المرجعية السياسية للناس.ان الذي يحفزه للتوجه نحو السياسة - الى جانب حدوث الفراغ السياسي الكبير الراهن ، الذي يماثل الفراغ الذي حدث في القرن التاسع عشر من عدة اوجه - هو تلك الحقيقة البسيطة مفادها ؛ بدون السيطرة على السلطة السياسية الاقليم لن تكون بقية السلطات محمية ، اذا اردت ان تدشن مشاريعك في السياحة الدينية الى جانب اقتصاد النفط فعليك الحصول على حصة من السلطة السياسة على الاقل لحماية هذا الباب من الاقتصاد وتحتكره. واي اقتصاد في ظل منطق سياسي مبني على مزج السلطتين السياسة و والاقتصادية ، ليس الا اقتصاد السلب والنهب .
وتطل ظاهرة ” نهرو الكسنزاني “ الجديدة برأسها عقب فشل لاعبين رئيسين على الصعيد السياسي في الاقليم ، اولهما العوائل السياسية الحاكمة في الاقليم والثاني المعارضة بجناحيها العلماني والاسلامي ؛ والتي فشلت في جمع الاصوات المعارضة تحت خيمتها و وقفت عاجزة عن ممارسة اي ضغط فعلي على الحكم السلطاني العائلي في الاقليم . وفي ظل حالة اليأس وفقدان الثقة بجميع القوى السياسية الفاعلة على الساحة السياسية من قبل الغالبية العظمى من الجماهير ؛ يدخل هذا الشيخ لشغل الفراغ السياسي ويطرح نفسه كبديل جديد على الصعيد السياسي .
الشيخ نهرو يسعى لاستثمار إرثه الديني كثروة رمزية ومعنوية و بشرية كنظرائه في الحزب الديمقراطي والاتحاد الوطني وحركة التغيير لخوض المضمار السياسي ومن هناك يمازج اقتصاد السياحة الدينية مع السلطة السياسية . وهو يمخر عباب بحر السياسة ببشرى اقتصاد جديد ، هو لا يبشر بصنع معجزة اقتصادية فقط بل يبشر بإنقاذ هذا الشعب من هذه الطامة الكبرى التي يعيش فيها .