أربيل تقترب من اتفاق مع بغداد لتقاسم الإيرادات غير النفطية

2025-09-09 15:13:13

عربية:Draw

أكد رئيس حكومة إقليم كردستان العراق، مسرور بارزاني، اليوم الثلاثاء، التوصل إلى المرحلة النهائية من التفاهم مع الحكومة المركزية في بغداد حول ملف الإيرادات غير النفطية، معرباً عن أمله بحل جميع الملفات العالقة بين الطرفين في أقرب وقت.

ونقلت وكالة الأنباء العراقية (واع) عن بارزاني قوله، على هامش المعرض الدولي لـ 6 للاستثمار العقاري في أربيل: "نأمل أن يتم حل مشاكل الرواتب وصادرات النفط مع الحكومة المركزية في أقرب وقت ممكن"، مشيراً إلى أن "المباحثات مستمرة مع وفد الحكومة الاتحادية بشأن الإيرادات غير النفطية، وتم الوصول إلى المرحلة النهائية من التفاهم".

وأوضح بارزاني أن الشركات النفطية "تسعى الآن للحصول على ضمانات لمواصلة الوفاء بمستحقاتها المالية"، في ظل استمرار تعليق تصدير النفط الخام من حقول إقليم كردستان عبر خط الأنابيب العراقي – التركي إلى ميناء جيهان منذ الربع الأول من عام 2023. ويعود ذلك إلى خلافات بين الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم والشركات الأجنبية حول كميات النفط المصدرة، وآلية احتساب مستحقات الشركات وكلف الإنتاج، إضافة إلى الإشراف الحصري لشركة تسويق النفط العراقية (سومو) على التصدير.

أزمة متراكمة منذ 2005 تبحث عن حل في 2025

منذ إقرار الدستور العراقي عام 2005، ظلّ ملف النفط والعوائد المالية بين بغداد وأربيل موضع جدل مستمر بسبب غياب قانون ينظم إدارة الثروات الطبيعية بشكل واضح. فبينما تنص المادة (111) على أن النفط والغاز ملك لجميع العراقيين، تمنح مواد أخرى صلاحيات للإقليم في إدارة موارده الجديدة، وهو ما فتح الباب أمام تأويلات متناقضة. بغداد اعتبرت أن جميع الصادرات يجب أن تمر عبر شركة تسويق النفط العراقية (سومو)، في حين أصرت حكومة كردستان على حقها في توقيع عقود مباشرة مع الشركات الأجنبية وإدارة جزء من الإيرادات بشكل مستقل.

هذا الخلاف سرعان ما انعكس على الجانب المالي، وتحديداً في قضية رواتب موظفي الإقليم التي تُقدر بمليارات الدولارات سنوياً. فقد استخدمت الحكومة الاتحادية هذا الملف أداة ضغط، ملوّحة بوقف التحويلات المالية في حال لم تلتزم أربيل بتسليم النفط. وفي المقابل، حمّلت حكومة الإقليم بغداد مسؤولية تأخر الرواتب، معتبرة أن المركز لا يفي بتعهداته في الموازنة. نتيجة لذلك، عاش موظفو الإقليم سنوات من الأزمات المتكررة بين تقليص الرواتب أو تأخر دفعها، الأمر الذي ألقى بثقله على الوضع الاجتماعي والاقتصادي.

من جانب آخر، لعبت الشركات النفطية الأجنبية دوراً أساسياً في تعقيد المشهد. فمنذ عام 2007 وقّعت حكومة الإقليم عقوداً مع عشرات الشركات العالمية وفق نظام المشاركة بالإنتاج، وهو ما منح هذه الشركات حوافز كبيرة وجعلها تطالب الآن بضمانات لتسديد مستحقاتها المتراكمة. ومع توقف تصدير النفط عبر خط الأنابيب العراقي–التركي إلى ميناء جيهان في مارس/آذار 2023، جُمّد عملياً عمل هذه الشركات وتراجعت ثقة المستثمرين بالقطاع النفطي في الإقليم.

الأزمة تجاوزت حدود العراق الداخلية لتأخذ أبعاداً إقليمية ودولية. فتركيا، التي يمر عبر أراضيها خط الأنابيب إلى ميناء جيهان، أوقفت الضخ بعد صدور حكم تحكيمي دولي لصالح بغداد، ما زاد الضغط على أربيل. أما الولايات المتحدة، فحاولت دفع الطرفين إلى تسوية سريعة حفاظاً على استقرار الإقليم الذي يمثل شريكاً استراتيجياً لها. وإلى جانب ذلك، فإن أي تعطيل لصادرات العراق، وهو ثاني أكبر منتج في منظمة أوبك، ينعكس فوراً على الأسواق العالمية ويرفع منسوب القلق في أسواق الطاقة.

في السنوات الأخيرة، جرت محاولات عديدة لإيجاد حلول وسط، منها اتفاقات مؤقتة لتمويل الرواتب مقابل تصدير كميات محددة من النفط، أو تضمين حصة الإقليم في الموازنة العامة مقابل رقابة اتحادية مشددة. واليوم، تتجه الأنظار إلى الإيرادات غير النفطية كخيار بديل يمكن أن يخفف من حدة الأزمة، عبر تقاسم عائدات الضرائب والرسوم الجمركية بين بغداد وأربيل بما يضمن مورداً مالياً مستقراً نسبياً.

رغم ذلك، فإن الأثر الاقتصادي للأزمة ما زال حاداً. العراق خسر منذ أكثر من عام نحو 400 ألف برميل يومياً من صادراته، بينما يعاني الإقليم من تباطؤ المشاريع التنموية وتعطل دفع الرواتب بانتظام، ما أضعف ثقة المواطنين بالحكومة وأثار حالة من التململ الاجتماعي. أما الشركات الأجنبية فوجدت نفسها أمام تحديات مالية كبيرة قد تجعلها تعيد النظر في مستقبل استثماراتها.

في ظل هذه التعقيدات، يبدو أن نجاح التفاهمات الأخيرة بشأن الإيرادات غير النفطية قد يكون خطوة مهمة نحو تهدئة الأزمة، لكنه لن يكون كافياً ما لم يتوصل الطرفان إلى تسوية شاملة تنظم ملف النفط بشكل دائم وتوازن بين حقوق بغداد الدستورية واحتياجات أربيل المالية.

سيناريوهات المستقبل

في ضوء التفاهمات المتقدمة حول الإيرادات غير النفطية، يمكن القول إن العلاقة بين بغداد وأربيل تقف عند مفترق طرق حاسم. السيناريو الأول يتمثل في نجاح المفاوضات الحالية والتوصل إلى اتفاق شامل يضمن توزيعاً عادلاً للموارد، بما يعزز الاستقرار المالي للإقليم ويعيد الثقة للشركات الأجنبية والمستثمرين. مثل هذا الاتفاق قد يفتح الباب أمام معالجة الملفات الأكثر تعقيداً، وفي مقدمتها استئناف تصدير النفط عبر تركيا ضمن آلية رقابية مشتركة، ما ينعكس إيجاباً على الوضع الاقتصادي العام في العراق.

أما السيناريو الثاني فهو استمرار الجمود والتفاهمات الجزئية، بحيث تبقى مسألة الرواتب والإيرادات غير النفطية أداة لتسكين الأزمة دون حل جذري. في هذا الإطار، ستبقى الثقة مهزوزة بين الطرفين، وسيستمر المواطنون في الإقليم بتحمل تبعات التأخير في الرواتب وتباطؤ التنمية، فيما تفقد بغداد وأربيل معاً فرصاً استثمارية مهمة.

السيناريو الثالث، وهو الأخطر، يتمثل في انهيار التفاهمات وفشل المفاوضات، ما قد يعيد الأزمة إلى نقطة الصفر ويؤدي إلى تصعيد سياسي جديد، خصوصاً مع وجود أطراف إقليمية ودولية تراقب الملف عن كثب. عندها قد يتأثر استقرار العراق ككل، بما ينعكس على أمنه الاقتصادي والاجتماعي والسياسي. من هنا، يبدو أن التفاهم حول الإيرادات غير النفطية ليس مجرد حل تقني، بل اختبار حقيقي لإرادة الطرفين في بناء علاقة متوازنة ومستقرة. فالمستقبل سيُحسم بمدى قدرتهما على تحويل هذه الخطوة إلى أساس لتسوية شاملة ودائمة.

المصدر: (أسوشييتد برس، العربي الجديد، عربيةDraw )

 

بابه‌تی په‌یوه‌ندیدار
مافی به‌رهه‌مه‌كان پارێزراوه‌ بۆ دره‌و
Developed by Smarthand