رستم محمود
المجلة - صدرت في عام 1980 من لندن
كشف استطلاع للرأي أجرته مؤسسة بحثية/ إعلامية في مختلف مناطق العراق، ما خلا إقليم كردستان، عن الكثير من الآراء والانطباعات والمواقف التي يحملها المواطنون العراقيون العرب، تجاه نظرائهم الأكراد وتجربة إقليم كردستان، في مختلف المجالات، الاقتصادية والسياسية والإدارية، وحتى الثقافية والاجتماعية.
الاستطلاع الذي حصلت "المجلة" على حقوق نشره، أظهر تباينا واضحا بين آراء العراقيين، عربا وأكرادا، تجاه القضايا الخاصة بإقليم كردستان، والتي تعبر عنها سياسات الأحزاب السياسية الحاكمة في الإقليم، وخصوصا القضايا المتصلة بالعلاقات الثنائية المتداخلة بين الحكومة المركزية وحكومة الإقليم.
شبان يتسوقون في سوق للسلع المستعملة في بغداد في 10 مارس/ آذار 2023.
وكان مثيرا للملاحظة ما كشفه الاستطلاع عن آراء العراقيين العرب بشأن "حق إقليم كردستان في استخراج النفط في المناطق التابعة له وتصديره إلى الخارج"، إذ رفض 81 في المئة من المُستطلعين هذا الأمر، فيما قال 57 في المئة منهم إنهم غير راضين عن كيفية التعامل معهم على الحواجز الأمنية ونقاط التفتيش، المنتشرة ضمن مدن إقليم كردستان وبلداته، أو بين الإقليم وبقية المناطق. في وقت عبر 61 في المئة منهم عن اعتقادهم بأن حكومة الإقليم تقدم خدمات لمواطنيها أفضل مما تفعله الحكومة المركزية.
أكثر من 75 في المئة من العراقيين العرب يشددون على ضرورة بقاء إقليم كردستان ضمن السيادة العراقية، بينما يؤيد أكثر من نصفهم تفكيك الإقليم كليا، وإعادة دمجه في العراق على نحو مركزي، ولم يخالفهم الرأي إلا 18 في المئة فقط.
أجرى الاستطلاع "قسم الاستبيان" في مؤسسة "درو" (DRAW) البحثية/ الإعلامية، ونُفذ في 15 محافظة عراقية، وشملت العينة المُستطلعة 910 مواطنين عراقيين. وراعت اللجنة المنفذة للاستطلاع، بإشراف الأستاذ في "جامعة السليمانية" الدكتور نياز نجم الدين، مختلف الشروط المعيارية، لتكون العينة ممثلة على نحو كاف للرأي العام الكلي في المنطقة المُستهدفة.
فالمُستطلعون كانوا من مختلف الأعمار والأجيال، لكن الفئة العمرية بين 26 و41 عاما كانت الأوسع، بنسبة 28 في المئة. وتضمنت العينة مختلف المستويات التعليمية، لكن ذوي التحصيل الدراسي، المتوسطي أو الجامعي، شكلوا 60 في المئة من المستطلعين. كذلك ركزت العينة على موظفي القطاعين العام والخاص، إذ بلغت نسبتهم 55 في المئة. إلى جانب التركيز على سكان العاصمة بغداد (41 في المئة من المستطلعين)، ومن بعدها المحافظات المركزية في العراق: نينوى، والبصرة، وكركوك (31 في المئة من المُستطلعين)؛ ففي وعي الجهة المُنفذة للاستطلاع، يشكل الشباب ذوو التحصيل العلمي المتوسط والعالي، من أبناء العاصمة بغداد والمدن الرئيسة في البلاد، خصوصا من العاملين في مؤسسات الدولة وشركات القطاع الخاص، يشكلون عضد الرأي العام، والفئة الأكثر تعبيرا وتأثيرا عليه، والمالكة للقدرة على تغييره مستقبلا.
الخلاف المستمر حول النفط
حسب نتائج الاستطلاع، فإن 75 في المئة من العراقيين العرب، لا يفضلون أبدا أن تكون إدارة نفط إقليم كردستان تحت سلطته، مقابل 10 في المئة فقط يرون العكس، فيما يذهب 15 في المئة منهم إلى المطالبة بأن تكون إدارة الملف النفطي في إقليم كردستان تحت إشراف جهات ثالثة مثل الشركات النفطية.
يؤكد 61 في المئة من العراقيين العرب أن حكومة إقليم كردستان أفضل من الحكومة المركزية لناحية تقديم الخدمات العام لمواطنيها، فيما رأى 6 في المئة فقط العكس
ويتجاوز الموضوع حق سلطة الإقليم في إدارة نفطه، إلى جوهر المسألة النفطية في العراق، إذ قال 81 في المئة من المُستطلعين أن إقليم كردستان لا يملك أي حق في استخراج النفط من الآبار في مناطقه وتصديره باستقلالية، لا راهنا ولا مستقبلا، فيما أيد 19 في المئة فقط هذا الحق.
تأتي هذه الآراء بعد 16 عاما من الخلاف بين حكومتي المركز والإقليم بشأن تفسير المادتين 111 و112 من الدستور العراقي، والخاصتين بآليات استخراج النفط والغاز في العراق وتصديرهما؛ فإقليم كردستان يرى أن الدستور منح الأقاليم الفيدرالية هذا الحق، شريطة أن تذهب مختلف الإيرادات إلى الخزينة العامة، لكن تفسير الحكومة المركزية يذهب إلى أن لها الحق الحصري في استخراج النفط وتصديره، إلى حين إقرار قانون خاص بـ"النفط والغاز"، وهو ما تفشل في تحقيقه منذ العام 2007.
حقل الناصرية النفطي في محافظة ذي قار جنوب العراق، ويمتلك العراق، ثاني أكبر منتج في منظمة البلدان المصدرة للبترول، احتياطيات هائلة، وتغذي إيرادات النفط 90 في المئة من موازنة الحكومة الاتحادية.
وكان الخلاف النفطي بين الطرفين قد تفاقم خلال الشهور المنصرمة، بعد قرار محكمة التحكيم التجاري الدولية في باريس، بعدم امتلاك إقليم كردستان الحق في استخراج النفط وتصديره من دون موافقة الحكومة المركزية، ما أدى إلى توقف صادرات النفط من الإقليم، ونقص حاد في السيولة المالية لحكومته التي تعثرت في دفع رواتب أكثر من 1.1 مليون من موظفيها طيلة الشهور الثلاث المنصرمة. كما توقف الكثير من المشاريع والخدمات، بسبب قلة المصاريف التشغيلية الخاصة بالحكومة المحلية، ويفاقم عدم صرف الحكومة المركزية حصة الإقليم من الموازنة المركزية الأزمة، على الرغم من إقرار قانون الموازنة العامة في البرلمان العراقي.
تفاقم الخلاف النفطي بين حكومتي بغداد وأربيل خلال الشهور المنصرمة، بعد قرار محكمة التحكيم التجاري الدولية في باريس، بعدم امتلاك إقليم كردستان الحق في استخراج النفط وتصديره من دون موافقة الحكومة المركزية، ما أدى إلى توقف صادرات النفط من الإقليم، ونقص حاد في السيولة المالية لحكومته
إلى ذلك اختلفت الآراء بشأن الجهة المسؤولة عن توفير المتطلبات المالية لحكومة الإقليم، بما في ذلك رواتب موظفيه؛ إذ قال 46 في المئة من المستطلعين إن ذلك من واجبات الحكومة المركزية، فيما أكد 22 في المئة منهم أنها مهمة حكومة الإقليم، وذهب 32 في المئة إلى أن ذلك مسؤولية مشتركة بين الطرفين.
رؤية إيجابية لتجربة الإقليم
رغم الميل العام للعرب العراقيين نحو "إخضاع" إقليم كردستان اقتصاديا، إلا أن غالبيتهم ذهبت نحو "تقدير" تجربة الإقليم، و"تفضيلها"، نسبيا، على تجارب بقية المناطق العراقية؛ إذ يعتقد 9 في المئة فقط من المُستطلعين أن حكومة الإقليم أكثر فسادا وهدرا للمال العام من الحكومة المركزية، فيما يعتبر 31 في المئة العكس. في وقت يرى 56 في المئة من المُستطلعين أن كلتا الحكومتين لديها المستوى نفسه من الفساد وهدر المال العام.
حقل خورمالة النفطي، على بعد 10 كيلومترات جنوب مدينة أربيل الكردية العراقية، ويُتوقع أن يضخ 40 ألف برميل يوميا.
على المنوال نفسه، يؤكد 61 في المئة من العراقيين العرب أن حكومة إقليم كردستان أفضل من الحكومة المركزية لناحية تقديم الخدمات العامة لمواطنيها، فيما رأى 6 في المئة فقط العكس. وبالنسبة إلى أداء الوزراء والمسؤولين والموظفين الأكراد في الإدارات المركزية والمؤسسات العامة للدولة، قال 21 في المئة من المُستطلعين إن أداءهم كان "ممتازا أو أفضل بكثير" من نظرائهم العرب، فيما قال 14 في المئة فقط، "إنهم أسوأ"، في وقت أصرت البقية على المساواة بين مختلف الموظفين في حرفية أداء الواجب الوظيفي.
على الرغم من الميل العام للعرب العراقيين نحو "إخضاع" إقليم كردستان اقتصاديا، إلا أن غالبيتهم ذهبت نحو "تقدير" تجربة الإقليم، و"تفضيلها"، نسبيا، على تجارب بقية المناطق العراقية؛ إذ يعتقد 9 في المئة فقط من المُستطلعين أن حكومة الإقليم أكثر فسادا وهدرا للمال العام من الحكومة المركزية
أبرز نتائج الاستطلاع كانت في إثبات التداخل والتفاعل الحيوي بين المواطنين العرب ونظرائهم الأكراد في إقليم كردستان؛ إذ قال 84 في المئة من العراقيين العرب إنهم زاروا الإقليم في أوقات سابقة، وهي نسبة تفوق كل التوقعات، وتزيد بكثير عن نسبة مواطني الإقليم الذين زاروا بقية المناطق العراقية، وهذا مرده إلى أسباب كثيرة، أبرزها: السياحة وجودة التعليم، والاستقرار الأمني، في الإقليم.
وفي السياق عينه، عبر 57 في المئة من زوار الإقليم عن عدم رضاهم عن المعاملة الأمنية على نقاط التفتيش في مدنه وبلداته، فيما قال 30 في المئة فقط إنهم لا يشعرون بـ "الأمان السياسي" في الإقليم. إلى ذلك، أكد 62 في المئة منهم أن معاملة مواطني الإقليم معهم كانت "جيدة وجيدة جدا"، بينما قال 6 في المئة إنها كانت "سيئة".
22 في المئة من العراقيين العرب يعتقدون أن حرية التعبير في بقية مناطق العراق أفضل منها في إقليم كردستان، بينما قال 14 في المئة العكس، ورأى 54 في المئة أن حكومتي المركز والإقليم سواء في انتهاك "حرية التعبير"
ويختلف الأمر في ما يخص مسألة "حرية التعبير"؛ إذ إن 22 في المئة من العراقيين العرب يعتقدون أن حرية التعبير في بقية مناطق العراق أفضل منها في إقليم كردستان، بينما قال 14 في المئة العكس، ورأى 54 في المئة أن حكومتي المركز والإقليم سواء في انتهاك "حرية التعبير".
بين الاستنساخ والحل
وبحسب اتجاهات الرأي العام العربي في العراق، فأن أكثر من 75 في المئة من العراقيين العرب يشددون على ضرورة بقاء إقليم كردستان ضمن السيادة العراقية، بينما يؤيد أكثر من نصفهم تفكيك الإقليم كليا، وإعادة دمجه في العراق على نحو مركزي، ولم يخالفهم الرأي إلا 18 في المئة فقط.
مقاتلون من قوات "البشمركة" الكردية شمال كركوك.
يحدث ذلك، في وقت طالب فيه 45 في المئة من المُستطلعين بنقل تجربة إقليم كردستان إلى بقية مناطق العراق. وهي نسبة عالية للغاية، مقارنة بما كان عليه الرأي العام العراقي، تجاه تجربة الإقليم، قبل سنوات عدة.
هذا فضلا عن تأكيد 44 في المئة من المستطلعين رغبتهم في السكن والعيش في الإقليم، وتفضيل 27 في المئة فقط العيش في بقية مناطق العراق.
هذا التباين بين "الاعتراف" بجودة التجربة الإدارية والاقتصادية لإقليم كردستان، والمطالبة بإبقائه ضمن "الهيمنة المركزية" أو حتى حله، يُثبت البعد الآيديولوجي/ القومي، وربما السياسي "الشعبوي" في التعامل مع تجربة إقليم كردستان؛ ففي وقت يوجد فيه تأكيد على أن العيش والخدمات العامة في الإقليم أفضل منهما في سائر المناطق العراقية، توجد نسبة عالية من العراقيين العرب تتطلع إلى حل الإقليم وإعادته إلى السلطة المركزية بأي ثمن.