اتفاق بغداد وطهران بشأن أكراد إيران المعارضين يضع أكراد العراق بين نارين
2023-09-04 11:47:59
عربية:Draw
وسط تزايد التركيز على جماعات المعارضة الكردية الإيرانية المتمركزة في كردستان العراق، تقول طهران إن بغداد وافقت على مطلبها بنزع سلاح هذه الفصائل ونقلها. ولكن مع اقتراب الموعد النهائي الذي حددته الجمهورية الإسلامية في 19 سبتمبر/أيلول لاتخاذ إجراءات ضد معارضيها الأكراد المنفيين، هناك أسئلة رئيسية حول مدى إمكانية تنفيذ أي اتفاق. يأتي ذلك في الوقت الذي تشعر فيه السلطات في كردستان العراق بالقلق من أن الصفقة تهدف إلى زيادة تقويض حكمها الذاتي ومكانتها في المشهد الجيوسياسي الإقليمي.
في مارس/آذار، وقع أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني آنذاك علي شمخاني ونظيره العراقي قاسم الأعرجي اتفاقًا في بغداد لتأمين الحدود بين البلدين. ويهدف الاتفاق في المقام الأول إلى كبح أنشطة أحزاب المعارضة الكردية الإيرانية في إقليم كردستان العراق.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني خلال إفادة صحفية في طهران يوم 28 أغسطس/آب، إن الحكومة المركزية العراقية التزمت بنزع سلاح "الجماعات الإرهابية والانفصالية" وإغلاق "قواعدها" بحلول 19 سبتمبر/أيلول. وأضاف كنعاني أنه تم إبلاغ السلطات الكردية العراقية بـ "مضمون الاتفاق". والأهم من ذلك، أكد كنعاني أنه لن يتم تمديد الموعد النهائي. وهدد مسؤولون عسكريون إيرانيون في السابق بشن هجمات ضد معارضي الجمهورية الإسلامية المتمركزين في كردستان العراق إذا لم يتم اتخاذ أي إجراء.
وفي نفس يوم تصريحات كنعاني، قال المتحدث باسم الحكومة العراقية، باسم العوادي، إن بغداد أوفت بالتزاماتها بموجب الاتفاقية الأمنية مع إيران. وأشار العوادي، من دون تقديم تفاصيل، إلى منع تسلل المسلحين وتسليم المطلوبين ونزع سلاح وإزالة المعسكرات التي تديرها الجماعات المسلحة.
التركيز على نزع السلاح
وقالت فريبا محمدي، المتحدثة باسم جمعية كادحي كردستان (كومله زحمتكشان)، إن هناك ضغوطًا على القوات المسلحة التابعة للجماعة والمتمركزة في المناطق الجبلية للانتقال إلى منطقة أخرى داخل إقليم كردستان. لكنها قالت أيضاً لموقع أمواج.ميديا إنه لم يكن هناك أي نقاش حول أعضاء المجموعة وعائلاتهم الذين يقيمون في مخيمات في كردستان العراق. وعلى أية حال، أكدت محمدي على أن مجموعتها لن تقبل بنزع سلاحها.
وتتمتع ست مجموعات كردية إيرانية على الأقل بدرجات متفاوتة من الوجود في إقليم كردستان العراق. وبالإضافة إلى جمعية كادحي كردستان، تشمل هذه المجموعات جمعية الكادحين الثوريين لكردستان إيران التي يشار إليها أيضًا باسم حزب كومله لكردستان إيران (كومله شورشكر) والتي يقودها عبد الله مهتدي. كما تشمل المجموعات الكردية الإيرانية المعارضة حزب كومله الكردي التابع للحزب الشيوعي الإيراني بقيادة سيد إبراهيم علي زاده، والحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني بزعامة مصطفى هجري، وحزب الحرية الكردستاني برئاسة حسين يزدانبانا، وحزب الحياة الحرة الكردستاني الذي يشارك في رئاسته سياماند معيني وزيلان فيجين. وقد تم دفع عدد من هذه الأحزاب إلى المنفى في العراق بعد سنوات من الصراع المسلح مع الحكومة الإيرانية التي ترفض الاعتراف بالمطالب الكردية بالحكم الذاتي داخل إيران. وتتمتع السلطات الكردية العراقية ببعض النفوذ على الجماعات الكردية الإيرانية، باستثناء حزب الحياة الحرة الكردستاني، المتحالف مع حزب العمال الكردستاني المتمركز في تركيا. وعلى هذه الخلفية، فإن التهديدات والضغوطات التي تمارسها طهران وضعت السلطات في كردستان العراق في مأزق. وقد يكون رفض تلبية مطالب إيران مكلفًا، إذ قد تستأنف طهران أو حلفاؤها في بغداد الهجمات على الجماعات الكردية الإيرانية في إقليم كردستان.
ومن ناحية أخرى، فإن تلبية شروط طهران وخاصة فيما يتعلق بنزع سلاح أحزاب المعارضة الكردية يفرض خطر المواجهة بين قوات حكومة إقليم كردستان ومثل هذه الجماعات.
ويقول المحلل السياسي لاوك غفوري أن ما يزيد الوضع تعقيدًا هو "عنصر الهوية الكردية المهم هنا." وأوضح غفوري أن مسألة انخراط السلطات الكردية العراقية في نزع سلاح الأحزاب الكردية الإيرانية ستثير سخطًا شعبيًا.
ولتوضيح المعضلة التي تواجهها حكومة إقليم كردستان أكثر، قال مسؤول عسكري بارز من الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني لأمواج.ميديا إنه على الرغم من أن مجموعته لن توافق على نزع سلاحها تحت أي ظرف من الظروف، إلا أنها ستفكر في نقل قواتها من "المناطق الجبلية" في كردستان العراق إلى مناطق أخرى، ولكن ليس إلى السهول أو المناطق الحضرية. سياسة العصا والجزرة التي تتبعها إيران
مع اقتراب الذكرى السنوية الأولى للاحتجاجات المناهضة للمؤسسة السياسية التي عمت إيران، هناك شعور قوي بين الأكراد الإيرانيين بأن ضغوط طهران ترجع بشكل أساسي إلى المخاوف من احتمال عودة الاضطرابات.
فعندما اجتاحت التظاهرات إيران في سبتمبر/أيلول الماضي في أعقاب وفاة مهسا جينا أميني، البالغة من العمر 22 عامًا خلال احتجازها من قبل شرطة الأخلاق، ركزت الدعاية الحكومية بشكل كبير على تصوير الاحتجاجات التي اندلعت لأول مرة في المناطق الكردية في إيران على أنها مؤامرة حاكتها جماعات المعارضة الكردية المنفية عبر الحدود. وقد رفضت الأحزاب الكردية بشدة مثل هذه الاتهامات. وفي هذا السياق، نشرت الحكومة الإيرانية قوات عسكرية في المناطق الكردية وقصفت مواقع جماعات المعارضة الكردية الإيرانية في كردستان العراق في بشكل متكرر بطائرات مسيرة وصواريخ. قبل الموعد النهائي الذي حددته إيران في 19 سبتمبر/أيلول، قال زعيم حزب كومله لكردستان إيران، مهتدي، في 28 أغسطس/آب إن قوات جماعته كانت في كردستان العراق بصفة دفاعية ولم تقم بهجمات ضد قوات الحكومة الإيرانية منذ الهدنة في أواخر الثمانينات.
ومنذ الاحتجاجات التي اندلعت بعد وفاة أميني، تبنت إيران سياسة العصا والجزرة متعددة المحاور لتحقيق أهدافها في التعامل مع الأكراد العراقيين، على أمل دق إسفين بينهم. وفي حين أن طهران لم تقم بهجمات بطائرات مسيرة أو صواريخ هذا العام، يُعتقد أن عملاء إيرانيين يقفون وراء كثير من عمليات الاغتيال المزعومة التي طالت ناشطين أكراد إيرانيين في إقليم كردستان. وفي موازاة ذلك، سعت إيران منذ أواخر العام الماضي إلى تعزيز العلاقات التجارية، الأمر الذي قوبل بحماس من حكومة إقليم كردستان. كما سعت السلطات الكردية العراقية إلى خلق جو أكثر إيجابية في العلاقات الثنائية مع إيران من خلال تسهيل دخول عشرات الآلاف من الإيرانيين الذين يدخلون العراق للمشاركة بشعائر زيارة الأربعين السنوية، الأمر الذي أثنت عليه طهران. عملية التوازن التي تقوم بها حكومة إقليم كردستان
قال المتحدث باسم حكومة إقليم كردستان، بيشوا هوراماني لأمواج.ميديا إن السلطات الكردية العراقية لا تريد أن تكون طرفًا في "المشاكل" بين الجمهورية الإسلامية والمعارضة الكردية الإيرانية.
وأوضح هوراماني: "نحن لا نريد أن تُستخدم أراضي إقليم كردستان لشن هجمات ضد أي من جيراننا"، مضيفاً أنه لا ينبغي أيضًا استهداف كردستان العراق من قبل الحكومات المجاورة. وتجدر الإشارة إلى أنه بالإضافة إلى الهجمات الإيرانية عبر الحدود، تقوم تركيا بقصف أهداف مزعومة لحزب العمال الكردستاني داخل كردستان العراق بشكل منتظم. وبينما حث هوراماني على الحوار بين الحكومة الإيرانية ومعارضيها الأكراد، دعا الحكومة العراقية إلى ترسيخ سيادتها في مواجهة تهديدات الدول المجاورة. لكن مسألة السيادة هي سلاح ذو حدين بالنسبة للأكراد العراقيين. وبتشجيع من طهران على ما يبدو، تحاول بغداد الاستفادة من التهديدات الإيرانية كفرصة لفرض سيادتها على إقليم كردستان، مما يقوض عقودًا من الحكم الذاتي الكردي منذ الانتفاضة ضد نظام الزعيم العراقي السابق صدام حسين (1979-2003) عام 1991.
مبديًا قلقه من خطط بغداد وطهران، قال هوراماني إن مهمة تأمين الحدود يجب أن تُعهد إلى قوات البيشمركة التابعة لحكومة إقليم كردستان والوحدات الكردية من حرس الحدود العراقي "لمنع أي مواجهة بين الأحزاب الكردية [الإيرانية] والقوات الإيرانية". وبعبارة أخرى، فإن رؤية حكومة إقليم كردستان لدور بغداد في حماية السيادة العراقية في إقليم كردستان هي تمكين القوات المحلية والوحدات الكردية في القوات المسلحة العراقية من تولي هذه المهمة. وكان حرس الحدود العراقي قد أعلن عن تجنيد ما يصل إلى 3000 من السكان المحليين لحماية حدود كردستان العراق مع إيران وسوريا وتركيا. ومع ذلك، ليس من الواضح ما إذا كان هذا جزءًا من اتفاق محتمل بين الحكومة الفدرالية العراقية وحكومة إقليم كردستان لتعزيز حماية حدود الأخيرة.
اللعبة الأكبر
ومن المهم أيضًا أخذ التداعيات الجيوسياسية الأوسع نطاقًا للاتفاقية الأمنية الإيرانية العراقية على الأكراد بعين الاعتبار. ويأتي الضغط الإيراني على السلطات الكردية العراقية وسط سلسلة من الإجراءات التي اتخذتها الدولة العراقية وخاصة العناصر التي لها علاقات وثيقة مع إيران لإضعاف حكومة إقليم كردستان وتجريدها من أدوات السلطة الرئيسية، مثل صادرات النفط المستقلة وإدارة الشؤون المالية. ومن ثم، بالنسبة للأكراد العراقيين، فإن التهديد الإيراني يتم تفسيره من خلال عدسة المنافسات الجيوسياسية الأوسع.
وفي هذا السياق، هناك مخاوف من أن طهران قد تستخدم الجماعات الكردية الإيرانية المنفية كذريعة للضغط على بغداد لإرسال الجيش العراقي أو قوات الحشد الشعبي إلى كردستان العراق، ما ينهي فعليًا أي ممارسة ذات معنى للحكم الذاتي من قبل "حكومة إقليم كردستان". وفي لعبة السياسة الواقعية هذه، فإن الجماعات الكردية الإيرانية، على الرغم من أنها تمثل درجة معينة من المخاطر والضعف بالنسبة للسلطات الكردية العراقية تقدم في الوقت نفسه فرصة لزيادة ثقل "حكومة إقليم كردستان" في المشهد الجيوسياسي الإقليمي.
وفي هذا السياق، قال كمران بالاني، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة صلاح الدين بأربيل لأمواج.ميديا: "لفترة طويلة، ساهم وجود مثل هذه القوات [الكردية الإيرانية] في كردستان [العراق] بترسيخ مكانة الإقليم كلاعب مستقل على المستوى الإقليمي. إن هذا الوجود بعث برسالة مفادها أن إقليم كردستان يتمتع بنفوذ استراتيجي للتأثير على الدول المجاورة". وتابع بالاني: "إذا قامت إيران بنزع سلاح هذه الجماعات، فقد يؤدي ذلك إلى تقويض الحكم الذاتي لكردستان [العراق] بشكل كبير".
كما أن نزع سلاح أو طرد الجماعات الكردية الإيرانية المتمركزة في إقليم كردستان يمكن أن يشجع الجارة تركيا على تقديم طلب مماثل لبغداد وأربيل بشأن حزب العمال الكردستاني. ومن المرجح أن يضع هذا الأخير الفصائل الشيعية المتحالفة مع إيران والتي تتولى زمام الحكم في المحافظات الواقعة تحت إدارة الحكومة الفدرالية في موقف صعب. وتسعى بعض الجماعات الشيعية إلى توظيف علاقاتها الدافئة مع حزب العمال الكردستاني في المنافسة الجيوسياسية الأوسع التي تقودها إيران ضد تركيا. وبالتالي فإن فشل بغداد وأربيل في التحرك ضد حزب العمال الكردستاني من شأنه أن يؤدي على الأرجح إلى تكثيف الهجمات التركية ضد أهداف في إقليم كردستان، ما يؤدي إلى إغراق كردستان العراق في مزيد من الصراع وعدم الاستقرار.
وعلى الرغم من إصرار إيران وقوتها في مطالبها، لا يبدو أن هناك استعدادًا لدى السلطات الكردية العراقية للوفاء بالشروط بشكل تام أو على الأقل بالحجم والنطاق الذي تريده طهران. لكن المحلل السياسي غفوري حذر من أنه لا ينبغي لحكومة إقليم كردستان أن تستهين بالتهديدات الإيرانية، خاصة في ظل قدرة طهران على تقويض الاستقرار. وخلص إلى القول: "على كردستان أن تكون حذرة للغاية وأن تقرأ نوايا طهران وبغداد بدقة".
أمواج ميديا