Draw Media

فنجان قهوة والحلبوسي والسامرائي

2025-12-28 14:15:00

 عربيةDraw:

صلاح حسن بابان

مع ازدياد برودة طقس الشتاء، وانخفاض درجات الحرارة إلى ما يقارب الصفر المئوي، قضيتُ وقتًا أطول أمام إبريق القهوة، أنتظر غليانها حتى تفيض لأصبّ لنفسي كوبًا. لفت انتباهي كيف كانت حبوب البن تكافح للبقاء داخل الإبريق وهي تمر بمراحل الاحتراق الأشد. ذكّرتني هذه الملاحظة بالتطورات السياسية الجارية داخل البيت السياسي السُني منذ إعلان نتائج الانتخابات البرلمانية السادسة التي جرت في شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي. وانحصر الصراع عمليًا وبشكل أساسي بين شخصيتين بارزتين تتنافسان على منصب رئيس البرلمان: محمد الحلبوسي، رئيس تحالف تقدم، ومنافسه وغريمه التقليدي، مثنى السامرائي، رئيس تحالف العزم. وقد اشتدّ الصراع بينهما للفوز بهذا المنصب، على الرغم من كثرة الأسماء التي طُرحت في الأسابيع الأخيرة.

في 14  كانون الأول الماضي، رسم مجلس القضاء الأعلى في العراق مخططًا أوضح فيه الإطار الزمني الدستوري المحدد للمراحل الانتقالية المتعلقة بتشكيل السلطات الثلاث في البلاد (رئيس الجمهورية، ورئيس الوزراء، ورئيس البرلمان)، وذلك وفقًا للمواد الدستورية النافذة، والذي أشار بوضح إلى ان انتخاب رئيس مجلس النواب ونائبيه سيكون خلال 15 يومًا (المادة 54 من الدستور) منذ تاريخ مصادقة المحكمة الاتحادية بتاريخ 14 / 12 / 2025. وأن انتخاب رئيس الجمهورية سيكون خلال 30 يومًا من تاريخ أول جلسة لمجلس النواب بعد انتخاب الرئيس الجديد ونائبيه (المادة 72 / ثانياً / ب من الدستور). بالإضافة إلى أن تكليف رئيس الوزراء سيكون  من تاريخ انتخاب رئيس الجمهورية وخلال 15 يومًا (المادة 76 / أولاً من الدستور)، بينما يكون تشكيل الحكومة الجديدة من تاريخ تكليف رئيس الوزراء وخلال 30 يومًا (المادة 76 / ثانياً من الدستور). يأتي ذلك بعد  مصادقة المحكمة الاتحادية العليا (أعلى سلطة قضائية في العراق)، في 14 كانون الأول 2025، على النتائج النهائية للانتخابات العامة لعضوية مجلس النواب.

وبحسب العُرف السياسي ونظام المحاصصة في العراق، يكون رئيس الوزراء شيعيًا، ورئيس الجمهورية كرديًا، ورئيس مجلس النواب سنيًا.

عمليًا، وبعد الإعلان عن خارطة المدد الدستورية، يواجه المجلس السياسي الوطني والذي يمثّل  نحو 65 نائبًا من أصل 329- ويضم في شكله القوى السنية الفائزة في الانتخابات، وفي مضمونه يمثلُ أجندات دولية واقليمية- أول اختبار سياسي له على أرض الواقع لإثبات كفاءته في إدارة المرحلة السياسية الراهنة، وذلك بالاتفاق على مرشح توافقي لمنصب رئيس البرلمان يحظى بتوافق داخلي ليجلس بسهولة تحت قبّة المجلس بعد الجلسة الأولى للمجلس المقررة في 29 كانون الأول/ ديسمبر الجاري، والتي يفترض أن تُحسم فيها رئاسة البرلمان ونائباه. إلا أن معطيات الواقع تشير إلى استحالة ذلك، نظرًا لتصاعد وتعمق الصراع بين الحلبوسي (27 مقعدًا) والسامرائي (51 مقعدًا) على هذا المنصب، وعجزهما حتى الآن عن الاتفاق على خارطة طريق سياسية موحدة، مما يُرجح انتقال الخلاف والصراع بينهما إلى العلن خلال الأيام المقبلة وفتح الباب أمام التدخلات الداخلية والخارجية، وربما يكون الحسم في الأخير بيد "النفوذ الإقليمي".

وبحسب المؤشرات والمعطيات السياسية، لن يتولى لا الحلبوسي ولا السامرائي رئاسة البرلمان في الفترة المقبلة، وذلك لأسباب وعوامل داخلية تتعلق بأجواء وطقوس البيت السياسي السني، وأخرى تتعلق بالصراعات والنفوذ الإقليمي والدولي، ما لم يحدث زلزال سياسي ممكن أن يُغير من معادلة المشهد، ويُنتخب أحدهما رئيسًا للبرلمان.

ومن بين الأسباب التي تزيد من فرضية استحالة إعادة انتخاب الحلبوسي رئيسًا للبرلمان رغم امتلاكه العدد الأكثر من المقاعد النيابية داخل الدائرة السنية في مجلس النواب- بحسب المؤشرات الموجودة-، ظهور "فيتو" معارضة قوية من أحد أبرز أقطاب البيت السياسي الكردي، وهو الحزب الديمقراطي الكردستاني. فقد تحوّل الحلبوسي من حليف سياسي استراتيجي إلى "عدو لدود وخصم شرس" للحزب، وبرزت انتقاداته الواضحة لسياسات الحزب مؤخرًا، لا سيما خلال الحملة الانتخابية. وقد أثار هذا غضب الحزب الديمقراطي الكردستاني، ما دفعه إلى رفضه القاطع لتولي الحلبوسي رئاسة البرلمان، بالمقابل دعمه للسامرائي لتولي المنصب المذكور على حساب الحلبوسي بعد أن دخل -السامرائي- في تحالف انتخابي غير معلن معه في الانتخابات الأخيرة.

إضافة إلى ما سبق ذكره، فإن نجاح الحلبوسي في بناء إمبراطورية إعلامية وهوليوودية داخل البيت السياسي السُني على مدى السنوات الماضية ولاسيما أثناء تسنمه رئاسة البرلمان في الدورة السابقة، ونجاحه في كسب ولاء العديد من السياسيين السنّة وشيوخ القبائل والعشائر وتمدد نفوذه السياسي والمالي في المحافظات السُنية، مقابل إضعاف خصومه، وإبعاد "البعض" منهم عن المشهد السياسي العام، قد دفع العديد من القادة السنّة إلى الاعتقاد والاقتناع التام بأن وجود الحلبوسي واستمراره في السلطة – مثل رئاسة البرلمان- سيزيد من احتكاره لعملية صنع القرار السنّي مقابل تراجع نفوذهم، وبالتالي يضر بمصالحهم الشخصية والسياسية، وهذا ما لن تنخدع به مجددًا تلك الأطراف السنية، وستعمل على عرقلة وصول الحلبوسي إلى رئاسة البرلمان مهما كان الثمن.

ختامًا لهذه الأسباب، كما أنه ليس من مصلحة الإطار التنسيقي الشيعي أيضًا أن يدعم الحلبوسي لرئاسة البرلمان، ويعني ذلك أنه يفتح أمام نفسه جبهة جديدة وهو في غنى عنها والدخول في صراعات ونزاعات سياسية مع الحزب الديمقراطي أو الأحزاب السنية التي ترفض الحلبوسي في المرحلة المقبلة، لا سيما وأن الإطار الشيعي يُعاني هو الآخر من مشكلة داخلية تتمثل في عدم وجود اتفاق حتى الآن على شخصية موحدة لرئاسة الوزراء. وهذا يعني أن الحلبوسي قد فقد دعم الإطار الشيعي أيضًا معنويًا، مما سيصعّب عليه الفوز برئاسة البرلمان مجددًا. ناهيك عن أن طهران ليست في مصلحتها أيضًا دعم شخصية "جدلية" كالحلبوسي الذي تورط في مشاكل قانونية خلال فترة رئاسته للبرلمان، بما في ذلك قضايا تتعلق بالتزوير. وبالتالي، سيجد القضاء العراقي نفسه في موقف محرج إذا عاد الحلبوسي رئيسًا للبرلمان، وبالتالي سيكون الخيار الأنسب لجميع الجهات والأطراف عدم عودة الحلبوسي إلى رئاسة البرلمان.

وفي المقابل، برز مثنى السامرائي، رئيس تحالف عزم، كمنافس شرس للحلبوسي. فقد ينُظر إليه كمرشح "توافقي"، يُستبعد أن يستفز القوى السنية الأخرى، وعلى عكس الحلبوسي، لم يكن مثقلاً بأعباء الصراعات السياسية السابقة. هذا ما جعله مقبولاً بشكل متزايد لدى الكتل التي كانت مترددة سابقاً في إعادة استخدام الأسماء نفسها. ومن نقاط قوة السامرائي أيضًا هو خطابه السياسي المرن، الذي يوازن بين الحفاظ على حقوق المكون السني وتجنب التصعيد أو الصدامات السياسية مع الشركاء الشيعة والأكراد. يلقى هذا النهج صدىً لدى الأحزاب المؤثرة التي ترى أن المرحلة المقبلة تتطلب خفض التصعيد، لا خوض مغامرات محفوفة بالمخاطر. علاوة على ذلك، فأن علاقاته داخل المجتمع السُني نفسه ذات أهمية بالغة. يُنظر إليه على أنه أقل ميلاً إلى الاحتكار السياسي وأكثر استعدادًا لتقاسم النفوذ داخل المؤسسة التشريعية. وقد دفع هذا بعض الكتل الصغيرة والمتوسطة إلى اعتبار ترشحه ضمانةً لعدم تهميشها مجددًا كما فعل الحلبوسي. وإلى جانب ما يمكن وصفه بـ"حسابات أوسع" تتجاوز الساحة السنية، تؤكد تسريبات خاصة أن اسم السامرائي لا يواجه اعتراضات جدية من القوى الشيعية أو الكردية، وأنه  عنصر حاسم في ظل برلمان منقسم الولاءات، لا يستطيع فيه أي مكون تمرير أي حق سيادي بمفرده.

ولكنّ بالرغم من امتلاك السامرائي تلك العوامل القوية، إلا أنه يواجه أيضًا فرضية استحالة توليه رئاسة البرلمان خلال الفترة المقبلة، ولأسباب عدّة، أبرزها، أنه لايمكن للحلبوسي أن يسمح بولادة زعامة سنية جديدة خلفًا له أو منافسة لمكانته ويصبح أكثر فاعلية منه داخل البيت السني، ولايمكن انكار أن الحلبوسي حتى وبعد ابعاده من رئاسة البرلمان عام 2023، استطاع أن يحافظ على اسمه كـ"زعيم" سُني بارز، وبدون منافس أحيًانا، بالإضافة إلى أن نجاح السامرائي تولي رئاسة البرلمان، يعني نجاح خطة الديمقراطي الكردستاني ضدّ الحلبوسي واقصائه من المشهد السياسي المؤثر، وهذا ما لايمكن أن يقبل به الحلبوسي أبدًا، بالإضافة إلى أن صعود السامرائي رئيسًا إلى البرلمان وفشل الحلبوسي في ذلك، يعني ذلك أن البيت السُني سيواجه احتمالية تفككه وانقسامه وتشرذمه مجددًا، وانقسام ولاءاته على البيتين الشيعي والكردي، وتراجع نفوذه أمام البيتين المذكورين، وهذا ما لاترغبه الدول الإقليمية ولاسيما الخليجية منها مثل الإمارات وقطر وكذلك تركيا صاحبة "النفوذ الأوسع" في المجلس السياسي الوطني السُني، بالتزامن مع تطورات اقليمية تشهدها المنطقة، منها بإحتمالية تجدد الصراع وانتقاله إلى المرحلة الثانية من الحرب العسكرية بين اسرائيل وأمريكا من طرف ضد إيران في الطرف الآخر.

في ضوء هذه الفرضيات والمؤشرات السياسية والسيناريوهات المحتملة، سيكون لنفوذ دول الخليج وتركيا، على وجه الخصوص، الكلمة الفصل في تحديد واختيار رئيس البرلمان الجديد. وعلى الأرجح، سيتجه الاهتمام نحو شخصية مقبولة لا تنتمي إلى الشخصيات المثيرة للجدل داخل البيت السُني. وفي المقابل، سيسعى الحلبوسي إلى إضعاف منصب رئيس البرلمان، سواء كان المرشح من كتلته أو كتلة العزم أو أي تيار سياسي آخر، ليثبت أن هيبة رئيس البرلمان ارتبطت باسمه فقط كـ"زعيم سُني" وسيحصل الحلبوسي على منصب حساس وذي نفوذ في الحكومة العراقية الجديدة، ليحافظ على امبراطوريته الهوليودية كما نجح في ذلك خلال السنوات الماضية، بينما سيقتصر نصيب السامرائي على بعض المناصب، بما في ذلك وزارة من الوزارات السيادية ومناصب رفيعة أخرى. وسيدخل السامرائي مرحلة من العزلة السياسية خلال الفترة المقبلة، وستتلاشى ملامحه الخليجية تدريجيًا حتى يلقى مصير الزعماء والقادة السنة الذين سبقوه، مثل أسامة النجيفي وغيره.

Related Post
All Contents are reserved by Draw media.
Developed by Smarthand